التهاب الكبد الفيروسي ج
د. جاد الله السيد محمود |
المساهمة الرئيسية في هذا المقال |
التهاب الكبد سي (التهاب الكبد ج)
هي عدوى يسببها فيروس التهاب الكبد سي (HCV) الذي يهاجم الكبد ما يؤدي لحصول التهاب فيه. تقدر منظمة الصحة العالمية أنَّ هنالك 71 مليون حالة مزمنة لالتهاب الكبد سي حول العالم، مع 399,000 حالة وفاة بسبب هذه العدوى، نتيجة تشمع الكبد وسرطانة الخلايا الكبدية.
تعد العدوى الحادة بهذا الفيروس خفيفة في العادة، لكن يصاب 75% من لمرضى بالتهاب كبد مزمن.
الفيزيولوجيا المرضية
فيروس التهاب الكبد سي هو فيروس كروي مغلف، يحمل رنا أحادي الطاق كحمض نوي فيه، ينتمي لعائلة الفيروسات المُصَفِّرَة، وجنس المصفريات.
يمكن أن ينتج هذا الفيروس 10 ترليون جزئية فيروسية يوميًا عند الإصابة.
يتكون جينوم الفيروس من 9500 زوج أساس، ويرمز لبروتين متعدد وحيد مكون من 3011 حمض أميني.
الأهداف الطبيعية لهذا الفيروس هو الخلايا الكبدية، ومن الممكن أن يصيب اللمفاويات البائية.
ترتبط التصفية الفيروسية بمدى مقدرة الفيروس على مقاومة اللمفاويات التائية السامة للخلايا والخلايا التائية المساعدة.
يؤدي الشطر الحال للبروتينات عند الفيروس إلى بروتينين سكريين هيكليين مغلفين (E1 و E2) وبروتين لبي. ومن المكونات الفيروسية الأخرى بروتينات غير هيكلية (NS2، NS3، NS4A، NS4B، NS5A، NS5B و p7) لها وظائف مختلفة، منها بروتينات حلزنة وبروتياز وبوليمراز رنا معتمد على الرنا، رغم أنَّ الوظيفة الصحيحة لبروتين p7 غير معروفة بعد.
هذه البروتينات غير الهيكلية ضرورية للانتشار الفيروسي، وهي أهداف للعلاجات الجديدة المضادة للفيروسات، مثل العوامل المضادة للفيروسات ذات الاستهداف المباشر. فمثلًا بروتينات NS2/3 و NS3/4A هي بروتيازات مسؤولة عن شطر البروتين المتعدد عند فيروس التهاب الكبد سي. وبروتين NS5A هام جدًا لتجمع معقد الانتساخ السيتوبلاسمي المرتبط بالغشاء (إحدى مناطق هذا البروتين تتعلق باستجابة الإنترفيرون، وتدعى المنطقة المحددة لحساسية الإنترفيرون). أما NS5B فهو بوليمراز رنا معتمد على الرنا، ضروري للانتساخ الفيروسي، ويفتقر للقدرة التصحيحة، ويولد عددًا كبيرًا من الطفرات الفيروسية. ويمثل ما سبق تنوعًا جزيئيًا ثانويًا.
أنماط الفيروس
ينقسم الفيروس لـ 6 أنماط تبعًا لتناظره الجيني. كما أنَّ هنالك أنماطًا فرعية كثيرة. والاختلافات الجزيئية بين الأنماط الجينية كبيرة نسبيًا، فلها نسبة اختلاف 30% تقريبًا على المستوى النكليوتيدي. وأكثر هذه الأنماط انتشارًا هي النمط الجيني 1، والذي وجد في 40-80% من الإصابات. كما يرتبط النمط 1 بداء كبدي أشد، وزيادة في خطر الإصابة بسركانة الخلايا الكبدية. وتتوزع الأنماط الجينية من حيث الانتشار في البلدان، فمثلًا:
- النمط الجيني 1a يُشاهد عند 50-60% من المرضى في الولايات المتحدة.
- النمط الجيني 1b يشاهد عند 15-20% من المرضى في الولايات المتحدة؛ وينتشر أكثر في أوروبا وتركيا واليابان.
- النمط الجيني 1c يُشاهد بنسبة أقل من 1% في الولايات المتحدة.
- الأنماط الجينية 2a و2b و 2c تُشاهد بنسبة 10-15% من المرضى في الولايات المتحدة؛ وتتنوع مجموعاتها الفرعية، كما أنها تستجيب جيدًا للعلاج.
- الأنماط الجينية 3a و 3b تُشاهد عند 4-6% من المرضى في الولايات المتحدة؛ ولكنها تنتشر أكثر في الهند وباكستان وتايلندا وأستراليا وسكوتلندا.
- النمط الجيني 4: أكبر انتشار له في الشرق الأوسط وأفريقيا.
- النمط الجيني 5: أكبر انتشار له في أفريقيا الجنوبية.
- النمط الجيني 6: أكبر انتشار له في جنوب شرق آسيا، وهونك كونغ وماكاو.
الانتقال
- نقل الدم الملوث: كان السبب الرئيسي فيما سبق، لكن أصبح الآن يجرى فحص للدم.
- تعاطي المخدرات الحقنية: وذلك النتشار استخدام الإبر غير العقيمة.
- انتقال الفيروس لعمال الصحة: وذلك عن طريق الإصابات بالإبر الملوثة.
- الانتقال الجنسي.
- الوشم.
الوبائيات
هنالك أكثر من 170 مليون شخصًا مصابًا بعدوى فيروس التهاب الكبد سي. 71 مليونًا منهم مصابٌ بعدوى مزمنة. وحوض المتوسط الشرقي وأوروبا فيها الانتشار الأكبر لهذا الفيروس. تنتشر هذه العدوى في أنحاء العالم، لكن تختلف نسبة الانتشار، وتعد مصر من أكثر البلدان عالميًا من حيث نسبة الإصابة، وأوضحت دراسة أنَّ ذلك نتيجة استخدام علاج حقني مضاد للبلهارسيا ملوث بذلك الفيروس.
العدوى الناتجة عن الإصابة بفيروس التهاب الكبد سي تسبب 20% من حالات التهاب الكبد الحاد، وتقدر نسبة الإصابات السنوية الجديدة بـ 30,000 إصابة بالتهاب الكبد الحاد، و8,000 حتى 10,000 إصابة سنويًا في الولايات المتحدة لوحدها.
الإنذار (المآل)
تُعد عدوى فيروس التهاب الكبد سي عدوى تشفى ذاتيًا عند 15 حتى 50% من المرضى. ولكن 70 إلى 80% من الحالات تتحول لحالات مزمنة.
يتطور التشمع عند المرضى خلال 20 سنة من بداية المرض عند 20% من الأشخاص المصابين بعدوى مزمنة. وبداية عدوى التهاب الكبد سي المزمنة باكرًا في الحياة غالبًا ما تؤدي لعواقب أقل خطورة.
يمكن أن تزداد شدة العدوى المزمنة وتقدمها بحصول عدوى مرافقة بفيروس التهاب الكبد ب، أو بحصول فرط حديد، أو نقص ألفا 1 أنتيتربسين.
يعد خطر تشمع الكبد مضاعفًا عند المرضى الذين انتقل لهم المرض عن طريق نقل الدم.
العلامات والأعراض
الأعراض الأولية لالتهاب الكبد سي غالبًا تكون خارج كبدية، وتتضمن عمومًا المفاصل والعضلات والجلد، ومنها:
- ألم مفصلي.
- ألم عضلي.
- حكة.
- مذل.
- متلازمة جفافية.
- اعتلال عصبي حسي.
الأعراض المتقدمة للمرض تتعلق بحصول اعتلالات في الاصطناع وارتفاع الضغط البابي، ومنها:
- تغيرات في الحالة العقلية (اعتلال دماغي كبدي).
- وذمة كاحل، وتمدد بطني (حبن).
- قيء دم وتغوط أسود (نزف حشوي).
بالنسبة للموجودات الجسدية فلا تكون عادةً شاذة حتى حصول ارتفاع الضغط الباي، أو داء الكبد المعاوض. وتتضمن:
- علامات على اليد: ومنها: احمرار راحي، وتبقع دوبويتران وارتعاش خافق ووبش وتعجر.
- علامات رأس: منها: تصلب يرقاني وهزال عضلي مؤقت وتضخم الغدة المجاورة للأذن وزُراق.
- نتن كبدي.
- تثدي الرجل وصغر الخصيتين.
- علامات بطنية: فتق قريب من السرة وحبن ورأس مدوسة وتضخم طحال وكبد.
- وذمة كاحلية.
- قلة شعر الجسم.
- علامات جلدية، منها: وحمات عنكبوتية وحبرات؛ وسحجات تنتج عن الحكة.
من الأعراض الأخرى الشائعة خارج الكبدية:
- وُجودُ الغلُوبوُلِيناتِ البَرْدِيَّةِ في الدَّم.
- الْتِهابُ كُبَيباتِ الكُلَى ذو الأغشية المتضاعفة.
- فرفرية نقص الصفيحات مجهولة لاسبب.
- حَزازٌ مُسَطَّح.
- الْتِهابُ القَرْنِيَّةِ والمُلْتَحِمَةِ الجافّ.
- متلازمة رينو.
- متلازمة جوغرن.
- البرفرية الجلدية الآجلة.
- التهاب الأوعية الجلدي التنخري.
التشخيص
أولاً: تتضمن أسس التشخيص عند المرضى الذين يُشك بإصابتهم بالتهاب الكبد سي التالي:
- تعداد دم كامل.
- اختبارات وظائف الكبد (تتضمن مستويات ناقل أمين الآلانين).
- دراسات وظيفة الغدة الدرقية.
- فحص الإصابة المرافقة بفيروس عوز المناعة المكتسبة.
- التأكد من عدم تعاطي الكحول والمخدرات.
ثانياً: فوصات لكشف عدوى فيروس التهاب الكبد سي: اختبار أضداد التهاب الكبد سي، وتتضمن: مقايسات مناعية بالأنزيم EIAs. والفحوصات التشخيصية السريعة RDTs. وفحوصات نقطة الرعاية السريرية POCTs.
- مقايسات كمية ونوعية لرنا فيروس التهاب الكبد سي (تقوم على تفاعل البوليمراز المتسلسل، أو على التضاعف المتواسط بالانتقال).
- تنميط فيروس التهاب الكبد سي.
- فحوصات مصلية.
ثالثاً: خزعة الكبد: ليست إلزامية قبل العلاج، لكن يمكن أن تكون مفيدة. ويحد استخدامها البعض بالحالات التالية:
- عدم تأكيد التشخيص.
- عداوى أخرى مرافقة، أو أمراض مرافقة.
- وجود مستويات طبيعية لأنزيمات الكبد ند المرض، مع عدم وجود أعراض خارج كبدية.
- نقص المناعة عند المريض.
التدبير والعلاج
تعد عدوى التهب الكبد سي عدوى قابلة للعلاج. ويختلف العلاج تبعًا لـ:
- مقدار الضرر الذي تلقاه الكبد.
- الحالات الصحية الأخرى المصاب بها المريض.
- مقدار الحمل الفيروسي في الجسم.
- النمط الجيني لفيروس التهاب الكبد سي المصاب به المريض.
العلاج المضاد للفيروسات
- علاج الحالة قصيرة المدى (الإصابة الحادة)
معظم الناس المصابين بالتهاب كبد سي الحاد لا يتلقون علاجًا لعدم معرفتهم أنَّهم بحاجة لذلك وعدم معرفتهم بنوع إصابتهم. وتُعالج هذه الإصابة بالأدوية فحسب.
- علاج الحالة طويلة المدى (علاج الإصابة المزمنة)
يُستخدم في هذه الحالة خليطًا من الأدوية المضادة للفيروسات. تستخدم لمدة 12 أسبوعًا حتى سنة كاملة. ويعتمد الأمر على تخلص الجسم من الفيروس في هذه المدة، حيث تُجرى فحوصات دموية متكررة.
ولعلاج هذه الحالة هدفان. الأول هو الوصول لاستئصال كامل للفيروس من الجسم، والذي يحدد بغياب رنا الفيروس في مصل المريض بعد 12 أسبوعًا من إنهاء العلاج. أما الثاني فهو منع تقدم المرض نحو التشمع أو سرطانة الخلايا الكبدية، أو مرض الكبد المعاوض، ما يستدعي زراعة كبد.
- الأدوية المستخدمة
الإنترفيرون وPegylated Interferon
الإنترفيرون الريبافيرين
الأدوية المضادة للفيروسات
- الأدوية التي تستهدف بروتين NS3/4:
- Boceprevir
- Telaprevir
- Simeprevir
- Pratiprevir
- Grazoprevir
- الأدوية التي تستهدف NS5B:
- النكليوتيدية: Sofosbuvir.
- اللانكليوتيدية: Dasabuvir.
- الأدوية التي تستهدف NS5A:
- Ledipasvir
- Declatasvir
- Ombitasvir
- Elbasvir
- Velpatasvir
العلاج التخفيفي
حيث يستخدم لدعم جودة حياة المرضى. فتستخدم الأدوية المسكنة وغيرها تبعًا لأعراض المريض.
زراعة الكبد
في الحالات المتقدمة من المرض.