حمى مشبوهة السبب
د. جاد الله السيد محمود |
المساهمة الرئيسية في هذا المقال |
الحمى مشبوهة السبب Q fever
هي عدوى جرثومية يصاب بها البشر من الحيوانات المصابة لا سيما الخراف والمواشي والماعز. وقد يصاب المرء بالعدوى إذا استنشق جزيئات غبار الحظائر الملوّثة بسبب الحيوانات المصابة.
تسببها جراثيم الكُوكْسِيلَّةُ البُورنيتِيَّة، وهي جراثيم داخل خلوية مجبرة سلبية الغرام.
وهي أساسًا عدوى حيوانية، فعندما يصاب بها الإنسان قد تظهر عليه أعراض خفيفة كأعراض الرشح تختفي بعد أسبوعين، وقد لا تظهر عليه أية أعراض.
لكن يمكن وفي بعض الحالات أن تستمر العدوى عدة أشهر، ونادرًا ما تنتشر لأعضاء أخرى من الجسم مسببةً عدوى مهددةً للحياة (عند إصابة القلب) لكن ذلك ممكن الحدوث.
ويمكن أن يؤدّي الشّكل الحادّ للإصابة بحمّى كيو إلى الإصابة بحمّى كيو المزمنة؛ وهي مرضٌ خطير يمكن أن يستمرّ لثلاث أو أربع سنوات, ومن المحتمل أن يُلحِق ضرراً بالقلب، والكبد، والدّماغ والرّئتين، وغالباً ما يودي بالحياة.
عادةً ما يتلاشى الشّكل الحادّ من حمّى كيو في غضون عدّة أسابيع بدون أيّ علاج. وإذا كان المريض يعاني من الأعراض، فمن المرجّح أن يصف الطّبيب المضادّات الحيويّة. وتتطلّب حمّى كيو المزمنة علاجاً بأنواعٍ معيّنة من المضادّات الحيويّة، والعديد من فحوص المتابعة، وقد تتطلّب الجّراحة أيضاً.
أما بالنسبة للحوامل فعند إصابتهنَّ قد يولد الطفل مبكرًا أو ناقص الوزن، ويظل احتمال الإجهاض أو ولادة الطفل ميتًا قائمًا.
طرق العدوى
- تصيب هذه الجراثيم الحيوانات أساسًا، لذلك تنتقل للإنسان منها، خصوصًا من خلال استنشاق قطيرات ملوثة بتربة تحويها أو براز الحيوانات. أو استنشاق القطيرات عند ذبح الحيوان أو عند ولادته. حيث توجد الجراثيم في المشيمة الناتجة والسائل السلوي والبراز والبول والحليب الخارج من الحيوانات المصابة.
- عند حصول اتصال للقطيرات مع العين، أو مع جلد مجروح.
من الطرق الأخرى النادرة لكن الممكنة: - عضات القراد.
- تناول الحليب غير المبستر ومشتقاته.
- عدوى من إنسان.
الأسباب
عادة ما تصيب بكتيريا كوكسيللا بورنيتي (Coxiella burnetii) الحيوانات، وعادةً ما يصاب الخراف، والماعز، والمواشي، إلا أنّها قد تصيب الحيوانات الأليفة أيضاً؛ كالقطط، والكلاب، والطّيور، والأرانب. تنقل هذه الثديّات البكتيريا عبر بولها، وبرازها، وحليبها، بالإضافة إلى نواتج الولادة مثل المشيمة والسّائل الأمينوسي. عندما تجفّ هذه المواد، فإنّ البكتيريا التي توجد فيها تصبح جزءاً من غبار الحظائر الذي ينتشر في الهواء. وتنتقل العدوى إلى الإنسان عبر الرّئتين عند استنشاق الغبار الملوّث في الحظائر.
نادراً ما تنتقل العدوى إلى الإنسان عن طريق شرب كميّات كبيرة من الحليب الغير مبستر أو عن طريق الإصابة بعضّة القراد المصاب بالعدوى.
هنالك عوامل معيّنة تزيد من خطر الإصابة بحمّى كيو الحادّة، وهي تتضمّن ما يلي:
- المهنة:
هنالك مهنٌ معيّنة تجعل المرء أكثر عُرضَةً للإصابة؛ وذلك بسبب تعرّضه للحيوانات ومنتجات الحيواناتٍ كجزءٍ من عمله. وتتضمّن المهن التي تُعرِض المرء للخطر الطّب البيطري، ومعالجة اللّحوم، وتربية الدّواجن في المزراع، بالإضافة إلى العمل في البحوث المتعلّقة بالحيوانات.
- المكان:
إنّ وجود المرء بالقرب من مزرعة أو أحد مرافق الزّراعة يُعرِّضه لخطر الإصابة بحمّى كيو؛ وذلك لأنّ البكتيريا يمكن أن تنتقل إلى مسافات بعيدة مرافقة جزيئات الغبار في الهواء.
- الجّنس:
يُعَدّ الذكور أكثر عُرضَةً للإصابة بحمّى كيو الحادّة العَرَضيّة.
عوامل الخطورة
- المزارعون.
- عُمّال المسالخِ.
- شركات تغليف اللحوم.
- الأطباء البيطريون.
العلامات والأعراض
أعراض حمّى كيو متنوّعةٌ جدّاً، وقد لا يعاني المصابون بهذا المرض من أيّة أعراضٍ على الإطلاق، في حين تؤثّر حمّى كيو المزمنة على القلب والعديد من الأعضاء الرّئيسيّة الأُخرى.
الشكل الحاد للحمى مشبوهة السبب
لا تظهر الأعراض على أكثر من نصف المصابين بحمّى كيو الحادّة. وإذا كان المريض يعاني من الأعراض، فإنّه يلاحظها بعد أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع من التّعرّض للبكتيريا. وقد تحاكي تلك الإصابة الانفلونزا، حيث تسبّب الأعراض التّالية:
- حمى شديدة، أي ارتفاع درجة الحرارة حتى 40 درجة مئويّة، أو 104 فهرنهايت، صداع حاد، إعياء، التهاب حلق، قشعريرة، تعرّق، سعال جاف أو منتج لقشع، ألم في الصّدر، ألم بطني، غثيان، إقياء، إسهال، طفح جلدي ذو لونٍ أرجواني، آلام عضل.يّة حادّة
- يمكن أن تسبب هذه الحمى مرضًا حمويًا شبيهًا بالإنفلونزا يُشفى دون معالجة خلال 5-14 يومًا، يترافق عادةً مع صداع وألم عضلي ورعشات وتعب وتعرق.
- التهاب رئة (تنتشر في شمال أمريكا): يصاب المريض بسعال جاف غير منتج، وعسر تنفس وألم صدري لالتهاب الجنب، وتتطور نادرًا لمتلازمة الضائقة التنفسية.
- التهاب الكبد (ينتشر في أوروبا): يحدث فيه ارتفاع لناقلات الأمين (2-3 مرات عن الحد الطبيعي) وقد يترافق مع وجود أضداد تجاه العضلات الملساء أو الفوسفولبيدات. ومن النادر حصول يرقان. وفي حال الإصابة بالتهاب الكبد نتيجة هذا المرض تختفي التظاهرات خلال 2-3 أسابيع.
الشكل المزمن للحمى مشبوهة السبب
السمة الأساسية للحمى مشبوهة السبب المزمنة هي التهاب شغاف القلب مع سلبية في الزرع وإيجابية عند التحليل المصلي. تحدث عادةً عند المرضى ذوي الإصابة السابقة بمرض قلبي، تتضمن: عيوب في الصمامات والتهاب القلب الرثوي والصمامات البدلية.
يمكن أن يصاب المرضى بفشل قلبي أو أعراض غير محددة، تتضمن حمى خفيفة وتعب ورعاشات وألم مفاصل وعسر تنفس وطفح نتيجة الانصمام الخثاري وتعرق ليلي.
إذا أُصيب المرء بحمّى كيو لفترةٍ تتجاوز 6 أشهر، فإنّ الإصابة تُعتَبَر مزمنة، وقد تظهر حمّة كيو المزمنة في أيّ وقتٍ خلال سنة وحتّى 20 سنة بعد أول إصابة بحمّى كيو الحادّة، حتّى لو لم تظهر أيّ أعراضٍ في المرّة الأولى.
تختلف أعراض حمّى كيو المزمنة بحسب الشّكل الذي تظهر به الحمّى، وتتضمّن الطّرق المختلقة التي قد تؤثّر فيها حمّى كيو بالمرء ما يلي:
- التهاب الشّغاف بالحمى مشبوهى السبب
عندما يحدث التهاب القلب الشغافي، تلتهب بطانة القلب الداخلية، ممّا يمكن أن يؤدّي إلى إلحاق الضّرر بصمّامات القلب. وتتضمّن أعراض ذلك الحمّى طويلة الأمد، والتّعرّق اللّيلي، والإعياء، وقصر التّنفّس.
- إنتانات الأوعية الدّمويّة
عندما تهاجم البكتيريا المسببة لحمّى كيو الأوعية الدّمويّة، فقد يصاب المرء بالحمّى، والإعياء، وفقدان الشّهيّة للطّعام، ونقصان الوزن.
- أنماط أُخرى
نادراً ما تظهر حمّى كيو بشكل إنتانٍ في العظام (التهاب العظم والنّقي)، أو إنتانٍ رئوي مزمن، أو إعياء مزمن، ويظهر كل شكل منها بمجموعةٍ خاصّة من الأعراض.
التشخيص
الشكل الحاد للحمى مشبوهة السبب
- يظهر تعداد الدم الكامل تعدادًا طبيعيًا للكريات البيض (عند 70-90% من المرضى) وانخفاضًا خفيفًا في الصفيحات الدموية، وفي حالات نادرة فقر دم انحلالي.
- تظهر اختبارات وظائف الكبد عادةً ارتفاعًا خفيفًا في نقالات الأمين (2-3 مرات عن المستوى الطبيعي) والفوسفاتاز القلوية، دون حصول ارتفاع ببيلوروبين الدم.
- يرتفع معدل تثفل الكريات الحمر.
- تظهر أضداد مناعية ذاتية في التحليل.
- تكون زراعة الدم سلبية عادةً.
الشكل المزمن للحمى مشبوهة السبب
- فقر الدم.
- ارتفاع تثفل الكريات الحمر.
- ارتفاع الغلوبولينات غاما.
- ارتفاع العامل الرثوي.
- زيادة مستويات الكرياتينين.
الفحوصات المصلية
- الفلورة المناعية غير المباشرة.
- تثبيت المتممة.
- مقايسة الامتصاص المناعي المرتبط بالأنزيم.
العلاج
يعتمد علاج حمّى كيو على فيما إذا كانت الإصابة حادّة أو مزمنة، وفيما إذا كانت المرأة المصابة حاملاً.
الحمى الحادة
- غالباً ما تتحسّن الحالات الخفيفة أو الغير عَرَضيّة من حمّى كيو الحادّة خلال أسبوعين بدون علاج. إلا أنّ الطّبيب قد يصف العلاج حتّى ولو كان المريض لا يعاني من أيّ أعراض؛ وذلك ليجنّبه حدوث المضاعفات في المستقبل.
- إنّ العلاج الأمثل في حالة الإصابة بالحمّى الحادة هو الدوكسيسيكلين doxycycline، وهو صاد حيوي ويعتبر الدواء المفضل للبالغين والأطفال فوق سن 8، وكذلك للعدوى الشديدة منه في أي عمر. تحدّد شدّة الإصابة فتررة الاستمرار في تناول المضادّ الحيوي، إلا أنّه عادةً ما تتراوح فترة العلاج بالدّواء بين أسبوعين وثلاثة أسابيع. من الضّروري أن يحصل المرء على العلاج حالما يلاحظ الأعراض، وذلك لأنّ فعاليّة لالمضاد الحيوي تكون أكبر عندما يتمّ البدء به خلال أسبوعٍ من بداية الأعراض.
قد تعود حمّى كيو الحادّة للظّهور في بعض الأحيان، ولذلك فقد يطلب الطّبيب من المريض العودة لإجراء اختبارات مصليّة خلال ستّة أشهر. وإذا لوحِظَت أضداد بكتيريا حمّى كيو مرّة أُخرى، فمن المرجّح أن يحتاج المريض لجرعةٍ أُخرى من المضادّات الحيويّة.
- الأطفال تحت سن الثامنة: في حال عدم حصول مضاعفات يمكن علاجهم بالتريمثوبريم مع السلفاميتوكسازول، أو بالدوكسيسيكلين لكن لمدة أقل من 5 أيام.
- الحوامل: يمكن علاجهنَّ بالتريمثوبريم مع السلفاميتوكسازول.
الحمى المزمنة
- يعد علاج الشكل المزمن من الحمى صعبًا، ما يتطلب معالجة طويلة الأمد.
- تستخدم مجموعة من المضادّات الحيويّة لعلاج حمّى كيو المزمنة وتؤخذ لفترة لا تقلّ عن 18 شهر. وفي الحالات المتقدّمة، فقد يحتاج المريض إلى تناول المضاد الحيوي لفترةٍ تصل لأربع سنوات.
- في حال الإصابة بالتهاب شغاف القلب بالحمّى مشبوهة السبب ، فقد يحتاج المريض إلى الخضوع لجراحةٍ من أجل إزالة أو تطعيم صمّامات القلب المتضرّرة، أو إصلاح أم الدّم. على الرّغم من توفّر العلاج، إلا أنّ المضاعفات قد تتطوّر بسرعة وقد تودي بالحياة، وحتّى بعد معالجة الحمّى المزمنة بنجاح، يحتاج المريض إلى العودة لإجراء الاختبارات لسنوات في حال عادت العدوى للظّهور مجدّداً.
- يعد استخدام الدوكسيسيكلين مع الهيدروكسيكلوروكوين لمدة 18 شهرًا على الأقل هو الأفضل لاستئصال العدوى نهائيًا ومنع حصول نكس.
- أما الخيارات البديلة فهي الدوكسيسيكلين مع الفلوروكينولون لمدة 3-4 سنوات على الأقل.
عند الحوامل
يُعَدّ علاج حمّى كيو أثناء الحمل تحدّياً؛ وذلك لأن المضادّات الحيويّة التي توصف عادةً من أجل حمّى كيو لا يُنصَح بتناولها أثناء الحمل.
وتختار بعض النّساء الانتظار لما بعد الولادة لكي يخضعن للعلاج، إلا أنّ لهذا الخيار مخاطره أيضاً. والحمل هو من عوامل الخطر في الإصابة بحمّى كيو المزمنة، كما أنّ حمّى كيو الحادّة قد تسبّب العديد من المضاعفات للطّفل أيضاً؛ ولذلك يجب أن تحرص المرأة، إذا كانت حاملاً ومصابةً بحمّى كيو، على فهم جميع خيارات العلاج وأخطارها.
تاريخٌ في الإصابة بحمّى كيو الحادّة
إن الإصابة السّابقة بحمّى كيو تجعل المرء عُرضَةً للإصابة بحمّى كيو المزمنة. ويزداد هذا الخطر إذا كان لدى المريض إصابة في صمام القلب أيضاً، أو شذوذات في الأوعية الدموية، مرض كلية مزمن أو ضعف في مناعة الجسم.
المضاعفات
حمّى كيو قد تلحق الإصابة بالقلب، الكبد، الرئتين والدماغ مما يؤدي إلى مضاعفات خطيرة، مثل:
- التهاب شغاف القلب؛ وهو التهاب الغشاء الذي يحيط بالقلب
- التهاب السحايا؛ وهو التهاب الغشاء الذي يحيط بالدّماغ والنّخاع الشّوكي
- الالتهاب الرّئوي
- ضيق تنفس حاد؛ وهو حالةٌ طبيّة طارئة لا يحصل فيها المريض على ما يكفي من الأوكسجين
- مضاعفات الحمل؛ بما في ذلك الإجهاض، وولادة طفل ذو وزنٍ قليل، وولادة الطّفل قبل أوانه، وتأخّر النّمو داخل الرحم، وولادة طفل ميّت.
المصادر
http://emedicine.medscape.com/article/227156-overview#a3
http://www.nhs.uk/Conditions/q-fever/Pages/introduction.aspx
https://www.cdc.gov/qfever/symptoms/index.html