جراثيم الفرنسيسيلة
د. جاد الله السيد محمود |
المساهمة الرئيسية في هذا المقال |
جراثيم الفرنسيسيلَّةُ Francisella
وهي جراثيم عصوية مكورة (عصورة) سلبية الغرام متعددة الأشكال، تمتلك محفظة عديدة السكريد، ورغم أنَّ هذه المحفظة ليست سامة إلا أنَّها تعد من عوامل الفوعة عند الجرثومة، كما أنَّها داخل خلوية مخيرة.
أما عن السلالة المسببة للإمراضية (الجراثيم المفوعة) منها فهي الفرنسيسيلَّةُ التُّولاَرِيَّة Francisella tularensis؛ وهي أحد أكثر الجراثيم فوعة؛ حيث يمكن أن تسبب المرض بتعرض الإنسان لـ 10-50 جرثومة فقط.
لهذه الجراثيم أربع أنواع فرعية؛ تختلف في فوعتها ومجالها الجغرافي، وتعد الفرنسيسيلَّةُ التُّولاَرِيَّة التولارية هي الأشد فوعة، وتوجد أساسًا في أمريكا الشمالية.
تسبب هذه الجراثيم داء التولاريمية، أو ما يعرف بـ "حمى الأرانب".
تصيب هذه الجراثيم أكثر من 100 نوعٍ من الحيوانات، بما فيها الثديات والطيور ومفصليات الأرجل. والجراثيم التي تسبب المرض للإنسان قد توجد في الطين أو الماء.
البنية الخلوية والاستقلاب
معظم جراثيم الفرنسيسيلة متماثلة بالشكل والحجم. وتغطى بما يشبه المحفظة مع حواف واضحة، وللسلالة المفوعة (الفرنسيسيلة التولارية) محفظة سميكة (0.12 – 0.35 ميكرومتر)، بينما السلالات غير المفوعة فمحظتها رقيقة (0.06 – 0.12 ميكرومتر).
تحتوي الجراثيم على أهداب من النمط 4 على سطحها، وهو نمط الأهداف الذي تستخدمه الجراثيم الممرضة سلبية الغرام للالتصاق على أنسجة المضيف ولتشكيل الفلم الحيوي والتقاط الدنا والحركة.
كما تحتوي هذه الجراثيم على حوامل حديد، فتنمو تحت ظروف ذات نسبة ضئيلة بالحديد. وحوامل الحديد هذه هي جزئيات يمكنها ربط الحديد من المصادر اللاعضوية ومن المضيف، ثم يرتبط المعقد الناتج مع مستقبلات على غشاء الجراثيم فتدخل الجرثومة.
هذه السمة مهمة للجراثيم ذلك أنَّ التضاعف داخل الخلوي عندها يعتمد على الحديد، لذا يبدو أنَّ الديفروكسامين (ممخلب للحديد) لديه تأثرات تثبيطية في الأنسجة أثناء العدوى.
تمتلك السلالات عالية الفوعة بروتين AcpA، وهو فوسفاتاز حمض تثبيط الهبة التنفسية.
وهو يثبط الهبة التنفسية (وهي عبارة عن تحرر لمواد كيميائية من الخلايا المناعية مثل العدلات والبالعات، فتحيط بالجراثيم). ما يقترح أنَّ هذا البروتين هام جداً في مساعدة التولاريمية الفرنسيسيلة على تجنب الجهاز المناعي للمضيف أثناء العدوى.
إمراضيتها
صنف البعض حمى الأرانب لمجموعتين، تتضمنان الشكل الأكثر تسبيباً بالقرحات الغدية (وتسود فيه العلامات والأعراض الموضعية والناحية) والشكل التيفي المميت (والذي تسود فيه الأعراض الجهازية). ولكن يشيع تقسيم حمى الأرانب إلى الأشكال الستة التالية:
- تولاريميةٌ غُدِّيَّةٌ تَقَرُّحِيَّة: يتمثل بقرحات جلدية مع تضخم العقد اللمفاوية الناحية.
- تولاريميةٌ غُدِّيَّة: يحصل فيه تضخم للعقد اللمفاوية الناحية دون حصول قرحة.
- تولاريميةٌ عَيْنِيَّةٌ غُدِّيَّة: يصاب المريض فيه بالتهاب ملتحمة مع تضخم العقد اللمفاوية أمام صيوان الأذن.
- تولاريمية معوية: ألم بطني وغثيان وإقياء.
- تولاريمية رئوية: مرض جنبي رئوي أساسي.
- تولاريمية تيفية: مرض حموي دون أعراض وعلامات تموضعية باكرة.
يعكس كل شكل نمط الانتقال. تكتسب الجرثومة القدرة على الوصول للمضيف بطرق الدخول من الجلد أو الأغشية المخاطية أو عبر الاستنشاق أو الهضم.
الأنواع الحيوية Biovars للفرنسيسيلَّةُ التُّولاَرِيَّة
تعد جرثومة الفرنسيسيلَّةُ التُّولاَرِيَّة عصيات مكورة متعددة الأشكال هوائية سلبية الغرام.
وهي قادرة على النمو ضمن أنماط خلوية مختلفة، بما فيها البالعات والخلايا البطانية والخلايا الكبدية.
بالنسبة للأنواع الفرعية لها فجميعها يتعلق بإمراضيتها للإنسان، إلا أنَّ الطراز الحيوي التولارية (Jellison type A) والطراز الحيوي holarctica (Jellison type B) هي المسببات الشائعة. يتطابق الشكلان السابقان مصليًا، ويختلفان أساسًا في التوزع الجغرافي وتفاعلات التخمير والفوعة.
يوجد الطراز الحيوي التولارية أساسًا في أمريكا الشمالية (رغم تسجيل حالات في أوروبا) وفوعته شديدة للغاية. حيث تكفي 10-50 جرثومة لتسبب المرض عن طريق الاستنشاق أو الحقن في الجلد، رغم أنَّ تناولها فمويًا قد يتطلب مئة مليون جرثومة لتسبب المرض.
أما الطراز الحيوي biovar holarctica (والتي تعرف أيضًا بـ F tularensis biovar palearctica) فيوجد أساساً في أوروبا، وآسيا، لكن كشفت أيضًا إصابات به في أمريكا الشمالية.
تقليديًا تتمايز نويعات الفرنسيسيلة على أساس التفاعلات الكيميائية الحيوية، وسمات النمو وخواص الفوعة. لكن الطرق الكيميائية الحيوية للتمييز بينها غير دقيقة؛ لذلك تستخدم طرق تنميط جزيئية لتصنيفها.
الفعالية كسلاح حيوي
تصنف هذه الجراثيم في التصنيف A كسلاح حيوي، بسبب قدرة إمراضيتها العالية، والسهولة النسبية في النمو والاستقرار في الصيغ السائلة، وسهولة الانتشار، والقدرة على التسبب بمرض شديد والموت.
الفيزيولوجية المرضية
الجدار الخلوي لهذه الجراثيم يحوي مستويات عالية من الحموض الدسمة، وللسلالات البرية محفظة غنية بالشحوم ناقلة للإلكترونات. قد تؤدي خسارة هذه المحفظة لفقد الجرثومة المقاومة المصلية والفوعة أيضاً؛ لكن لا تظهر المحفظة أي سمية أو توليداً للمناعة الفطرية.
الإدخال تحت الجلد لـ 10 جراثيم كافٍ لتحفيز المرض، في حين أنَّ التعرض الإنشاقي لـ 25 جرثومة قد يسبب مرضاً منهكاً شديداً أو حتى مميتاً. وفي الأيام 3-5 الأولى بعد التعرض الجلدي تتضاعف الجرثومة موضعيًا وتشكل حطاطة.
أثناء الأيام 2-4 يتقرح موقع الدخول. ثم تنتشر الجراثيم من موقع الدخول إلى العقد اللمفية الناحية، ويمكن أن تتنتشر بالطريق اللمفاوي الدموي لتصيب أعضاءً متعددة. تظهر الموجودات الرئوية أساساً بعد الاستنشاق المباشر للجراثيم، أو عن طريق الانتشار الدموي للرئة.