جمرة خبيثة
إن الجمرة الخبيثة هو مرض خطير تُدعى Bacillus anthracis (العصويّة الجمريّة).
مقدمة ولمحة عامة
وهي عبارة عن عدوى جرثومية بجرثوم العصوية الجمرية، تنتقل عادةً بين الحيوانات، خصوصًا المجترات (كالأبقار والأغنام والأحصنة والعنز) ويمكن أن تتنتقل للبشر من خلال التماس مع الحيوانات المصابة أو منتجاتها. وقد كان الطبيب روبرت كوخ هو من أثبت أن العصية الجمرية هي المسبب للأمراض التي كانت تصيب حيوانات المزرعة في المجتمع.
على الرغم من أن هذه الجراثيم تصيب بشكل أساسي المواشي والحيوانات البرية إلا أن الإنسان يمكن أن يُصاب بها عبر الاتصال المباشر أو غير المباشر مع الحيوانات المُصابة، وعادة لا تنتقل الجمرة من إنسان لآخر و لكن في حالات نادرة يمكن أن تصبح الآفات الجلدية للجمرة مُعدية.
تنتقل العدوى للبشر بطرقٍ أربع، وهي الطريق الجلدي والاستنشاقي والمعدي المعوي والحقني، مسببةً أعراضًا جلدية أو رئوية أو معوية قد تكون قاتلة، خصوصًا الرئوية منها. وللأسف استخدمت كسلاح بيولوجي أيضًا.
تنتج الجراثيم ذيفانات مكونة من ثلاثة بروتينات تسمى: المستضد الحامي، والعامل القاتل، والعامل الموذم. تعيش جراثيم الجمرة في التربية على شكل أبواغ خاملة، وتكون مقاومة لكثير من العوامل والقضاء عليها صعب. فتعيش فيها عشرات لاسنين.
غالباً ما تدخل هذه الجراثيم الجسم عبر الجروح الجلدية، و يمكن أن تدخل أيضاً عبر تناول لحم الحيوانات المُصابة أو عبر استنشاق الأبواغ. تتراوح الأعراض التي تعتمد على الطريقة التي أصيب فيها الإنسان بالمرض من القرحات الجلدية إلى الغثيان و الإقياء إلى الصدمة.
يمكن للعلاج الفوري بالمضادات الحيوية أن يشفي معظم حالات الإنتانات الناتجة عن الاحتكاك الجلدي أو تناول لحم الحيوانات المُصابة، في حين أن الإصابة الناتجة عن استنشاق الأبواغ تكون صعبة العلاج و يمكن أن تكون مميتة.
انتقال العدوى
يمكن أن تصيب الجمرة الإنسان بـ 3 طرق. أشيعها الطريق الجلد ما يتسبب بقرحة سوداء. كما يمكن أن يتناول البشر والحيوانات الجراثيم بتناولهم جثث الحيوانات الميتة الملوثة بتلك الجراثيم، ما قد يتسبب أحيانًا بأمراض خطيرة.
أما أسوأ الطرق فهو الطريق الاستنشاقي، فعند استنشاق الأبواغ تهاجر للغدد اللمفية في الصدر حيث تتكاثر وتنتشر وتنتج الذيفانات مسببة الموت غالبًا.
الوبائيات
يعد مرض الجمرة الخبيثة حاليًا مرضًا نادرًا بالنسبة لقاطني الدول المتقدمة. لكن ما يزال هنالك بعض التقارير عن حالات من الإصابة به حتى اليوم في الدول التي تفتقر لتنظيمات الصحة العامة تمنع التعرض للحيوانات المجترة المصابة ومنتجاتها. وفي السنوات الأخيرة حصلت حالات إصابة لأشخاص عن طريق استخدام طبول صنعت جلودها من جلد حيوانات مصابة.
وتضمن قائمة الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بعدوى الجمرة:
- الأطباء البيطريون.
- منتجوا المواشي والمزارعون.
- المسافرون إلى المناطق التي تستوطن فيها الجرثومة.
- عمال المنتجات الحيوانية (مثلًا: الجلود الحيوانية).
- موظفو المختربات الدارسين للجمرة.
- عمال البريد وأفراد الجيش والأشخاص المدبرون للرد على الإرهابيين الحيويين و/أو الحرب الحيوية.
فترة الاحتضان
قد تكون فترة الاحتضان قصيرة نسبيًا، من يوم حتى 5 أيام. وكجميع الأمراض المعدية ففترة الاحتضان تختلف اختلافًا واسعًا، فقد تمضي أسابيع قبل ظهور المرض على المصاب.
أعراض وأنواع الأمراض المسببة بالجمرة
الجمرة الجلدية
تشكل 80% من مجمل الإصابة بالجمرة، تبدأ كبقعة بنية محمرة تتضخم مع وجود احمرار واضح حولها، ثم تتبثر وتتصلب. مركز البقعة يظهر كحفرة قرحية مع تصريف مخضب دموي، وتشكل القشرة السوداء المسماة الخشارة. كما تنتفخ العقد اللمفية في المنطقة القريبة منها. تتضمن الأعراض ألم عضلي وصداع وحمى وغثيان وإقياء. ويشفى المريض عادةً بعد 6 أسابيع تقريبًا، لكن قد يموت المريض في حال لم يتناول صادات حيوية مناسبة.
يحدث هذا النمط عندما يدخل الجرثوم عبر جرح في الجلد أو قرحة ما فيه و هذا النمط هو الأكثر شيوعاً لهذا المرض والأقل خطورة، وعند علاجه بالشكل المناسب نادراً ما يكون قاتلاً. تتضمن أعراض الجمرة الخبيثة الجلدية ما يلي:
- نتوء مرتفع حاك يشبه لدغة الحشرة يتطوّر بسرعة إلى قرحة غير مؤلمة مع مركز أسود.
- تورّم القرحة بالإضافة للغدد اللمفية المُحيطة.
الجمرة الحقنية
عرف هذا الشكل من الجمرة عند مستخدمي حقن الهيروئين في أوروبا الشمالية. قد تأخذ الأعراض أيامًا حتى أشره قبل أن تظهر. ويمكن أن تتضمن:
- بثرات صغيرة أو تحاديب قد تكون حاكة في موقع الحقن.
- حمى.
- رعاش.
- تورم حول القرحة وخراجات عميقة قد تتطور تحت الجلد أو العضلات.
- يمكن أن تظهر قرحات جلدية سوداء المركز غير مؤلمة بعد نمو البثرات أو التحدبات.
وبتقدم المرض يصاب المريض بـ:
- صدمة
- فشل أعضاء متعدد.
- التهاب سحايا.
الجمرة الاستنشاقية
تظهر الجمرة الخبيثة الاستنشاقية عندما يقوم الإنسان بتنفس الأبواغ، و هو الشكل الأكثر فتكاً من المرض و غالباً ما يكون قاتلاً حتى باستخدام العلاج المناسب، و تتضمن أعراض الجمرة الخبيثة الاستنشاقية:
- أولى الأعراض لهذه الإصابة تكون أعراضًا شبيهة بالإصابة بالإنفلونزا لكن خفيفة وتدريجية، مع التهاب حلق وصداع.
- ألم صدري خفيف.
- ثم وخلال بضعة أيام يصبح المرض أسوء وقد يصاب المريض بضائقة تنفسية شديدة مع قصر في التنفس وألم في الصدر والعضلات.
- قد يصاب بعض المرضى بسعال دموي. ثم تتلو تلك الأعراض صدمة ثم غيبوبة ثم الموت.
- لا يسبب استنشاق الجمرة التهاب رئة حقيقي. في الحقيقة تلتقط الرئتان الأبواغ من خلال البالعات، والتي تقتل معظم الأبواغ، وتنتقل بقية الأبواغ للعقد اللمافوية في الصدر. مما يؤدي لتوذمها، وفي تلك العقد تتضاعف الأبواغ وتنتج ذيفاناتها، منتشرة في الجسم. ينتج عن ذلك نزف شديد وتنخر نسيجي في تلك العقد اللمفاوية؛ ثم ينتشر المرض لبقية لاجسم.
- وفي أغلب حالات الإصابة يموت المريض، وقد يموت أيضًا حتى بعد أخذ الصادات الحيوية المناسبة. وذلك أن تلك الصادات تقتل الجرثومة، لكنها لا تؤثر على الذيفانات المنتجة مسبقًا.
عند تطوّر المرض، يمكن أن يعاني المصاب من:
- حمّى مرتفعة
- مشاكل في التنفس
- صدمة
- التهاب السحايا: و هو التهاب خطير في الدماغ والنخاع الشوكي.
الجمرة الهضمية
وهي نادرة جدًا، وتنتج عن تناول اللحم غير المطبوخ الملوث بتلك الجراثيم. من أعراضها:
- الغثيان.
- إقياء.
- فقدان الشهية.
- الإسهال الدموي.
- حمى متبوعة بألم بطني.
- تورّم الحلق و صعوبة في البلع
- تورّم في الرقبة
تخترق الجراثيم جدار الأمعاء، ثم تنتشر العدوى في الجسم عبر المجرى الدموي (إنتان دموي).
و يُصاب الإنسان بهذا النمط عبر تناول اللحم غير المطبوخ للحيوانات المُصابة، و تتضمن الأعراض:
إن العديد من الأمراض تبدأ بأعراض عامة تشبه الزكام، و لكن الجمرة الخبيثة نادرة في العالم المتطور و بالتالي فإن فرصة أن يكون التهاب الحلق و الألم العضلي ناتجين عن الجمرة أمر نادر للغاية. إذا اعتقد الشخص بأنّه قد استنشق الأبواغ كما في حال كان يعمل في بيئة يُحتمل فيها أن تحدث الجمرة الخبيثة، يجب عليه أن يراجع الطبيب فوراً من أجل التقييم و الرعاية، و إذا اشتكى من الأعراض السابقة بعد احتكاك مع الحيوانات أو تناول مشتقات حيوانية في مناطق معينة حيث تشيع الإصابة بالجمرة يجب عليه أن يراجع الطبيب فوراً، حيث أن التشخيص و العلاج المبكريّن هما أمران حاسمان في مسيرة المرض.
الأسباب
تتشكل أبواغ الجمرة الخبيثة من الجراثيم الموجودة في التربة بشكل طبيعي في معظم بقاع العالم. يمكن لهذه الأبواغ أن تبقى كامنة لمدة سنوات إلى أن تجد طريقها لمضيف ما، و الذي عادةً ما يكون حيوان بري أو أحد المواشي مثل الخراف و البقر الأحصنة و الماعز و الجمال.
تحدث معظم حالات الجمرة الخبيثة كنتيجة للتعرض للحيوانات المُصابة أو تناول لحومها.
هناك حادثة واحدة معروفة لانتقال الجمرة الخبيثة بطريقة أخرى غير الاحتكاك بالحيوانات في الولايات المتحدة و التي حدثت عام 2001 عندما تعرض 22 شخص لأبواغ الجمرة بعد استنشاقهم لهذه الأبواغ التي أرسلت إليهم عبر البريد و توفيّ خمسة من هؤلاء الأشخاص.
المضاعفات
إن الاختلاط الأكثر خطورة للجمرة الخبيثة هو التهاب قاتل للأغشية و السوائل التي تحيط بالدماغ و النخاع الشوكي و الذي يؤدي لنزف شديد وموت (التهاب السحايا النزفي).
التشخيص
أخذ تاريخ المرض مهم جدًا في التشخيص.
- المسوحات: توجد الجراثيم في زروعات أو مسحات الجلد في الجمرة الجلدية. وفي مسحات الحلق والقشع في الجمرة الرئوية.
- اختبارات الدم: للبحث عن جراثيم الجمرة.
- فحص البراز: لتشخيص الجمرة الهضمية.
- الأشعة السينية: تظهر الأشعة السينية تغيرات مميزة في الرئتين وبينها.
- البزل القطني.
العلاج
إن العلاج الاعتيادي للجمرة الخبيثة هو شوط لمدة 60 يوم من استخدام الصادات الحيوية، مثل سيبروفلوكساسين (ciprofloxacin) أو دوكسيسيكلين (doxycycline). يعتمد الصاد الحيوي أو مجموعة الصادات الحيوية المُستخدمة على نمط الجمرة الخبيثة و عمر المريض و الصحة العامة و عوامل أخرى، و يكون العلاج أكثر فعالية عندما يتم البدء به بأسرع وقت ممكن.
على الرغم من أن العديد من حالات الجمرة الخبيثة تستجيب للصادات الحيوية إلا أن بعض حالات الجمرة الاستنشاقية المتقدمة قد لا تستجيب، و في المراحل الأخيرة من المرض يكون إنتاج الجراثيم للسموم أكبر من قدرة الصادات الحيوية على القضاء عليها.
خطوات العلاج
في المستشفى
- في معظم الحالات يمكن للعلاج الباكر أن ينتج عنه شفاء المريض من الجمرة.
- يمكن علاج الجمرة بالصادات الحيوية المعروفة، كالبنسلين والتتراسيكلين والإرثروميسين والسيبروفلوكساسين؛ يستخدم عادةً الدوكسيسيكلين أو الكوينولون كبديل في علاج الجمرة الجلدية لمدة 7-14 يومًا.
- في علاج الجمرة غير الناتجة عن عمل إرهابي يفضل استخدام البنسلين، خصوصًا لمعالجة الاستنشاقية منها ولمعالجة التهاب السحايا بالجمرة.
- أما بالنسبة للجمرة الناتجة عن عمل إرهابي يمكن استخدام أي كوينولون أو دوكسيسيكلين لمدة أسبوع حتى أسبوعين. كما يمكن أن يضاف الكلينداميسين لتأثيره المضاد للذيفان.
- أما الجمرة الرئوية فتعد حالة طارئة، حيث تستخدم فيها معالجة وريدية مستمرة بالصدات الحيوية ما يمكن أن ينتج عنه نجاة المريض.
- يمكن استخدام Raxibacumab وهو ضد وحيد النسلية بشري موجه لمستضد الحماية في جراثيم الجمرة.
- كما يمكن استخدام Obiltoxaximab وهو ضد خيمري وحيد النسلية موجه لمستضد الحماية في جراثيم الجمرة.
- يستخدم الغلوبولين المناعي ضد الجمرة لعلاج الجمرة الاستنشاقية عند البالغين والأطفال بالتشارك مع الصادات الحيوية.
- يتضمن علاج التهاب السحايا بعصيات الجمرة استخدام 3 صادات حيوية فعالة ضد الجمرة على الأقل، ويكون أحدها قاتلًا للجراثيم على الأقل، وأحدها على الأقل موقف لتصنيع البروتينات في الجرثوم؟
العناية بالمصاب قبل الوصول للمستشفى
- في أي تعرض لوباء حيوي يجب أن يبعد المصاب عن المصدر الملوث في حال كان ذلك ممكنًا، ويجب على عمال الصحة ارتداء الأقنعة والقفازات.
- الأشخاص المحتمل أن الجراثيم وصلت لجلدهم يجب أن يغتسلوا بالماء والصابون. أما الملابس وغيرها من المواد يجب أن توضع في حقيبة بلاستيكية. وفي حال تأكيد التلوث بالجرثومة فيجب إزالته باستخدام ممدد للمادة القاصرة المنزلية 10 مرات على المواد والأسطح، ولا يكفي استخدام الماء والصابون فقط. كما يجب تناول الصادات الحيوية كإجراء وقائي.
اللقاح
اللقاح موجود، لكنه غير متوفر فعليًا.
المصدر
http://www.medicinenet.com/anthrax/article.htm
http://emedicine.medscape.com/article/212127-treatment#showall
http://www.mayoclinic.org/diseases-conditions/anthrax/manage/ptc-20320705