رثية
علم الرثية أو وجع المفاصل (الروماتزم) هو العلم الذي يتخصص في دراسة الأمراض الرثوية والهيكلية العضلية.
بدأ هذا العلم في الظهور منذ القرن الأول الميلادي، حيث ظهرت في اللغة كلمة روما[1] لأول مرة، وهذه الكلمة تعني باللاتينية "الشيء الذي يتحرك ويجري"، ويقال إن سبب التسمية يرجع إلى البلغم الذي كان يعتقد الرومان أنه يتكون في المخ ويجري منه إلى أعضاء الجسم المختلفة مسببا اعتلال الجسم ومرضه. وفي سنة 1642 دخلت إلى اللغة العلمية كلمة "روماتزم"، وكان أول من سمى بهذا الاسم الطبيب الفرنسي غيوم دو بايو (en)، وهو الذي اكتشف أن التهاب المفاصل قد يكون مرضا جهازيا شاملا للجسم كله وليس مجرد مرض موضعي للمفاصل، وقد ظهر علم الروماتزم لأول مرة كعلم مستقل في أربعينات القرن العشرين.
حجم الأمراض الرثوية وعددها ومعدل انتشارها
قد يظن البعض أن الأمراض الرثوية محدودة العدد جدا، وأنها قد لا تعدو أصابع اليد الواحدة، ولكن هذا ليس الواقع، فنحن اليوم في بداية القرن الحادي والعشرين نجد أنفسنا أمام أكثر من مائة وعشرين مرضا، تمثل مجموعة الأمراض الرثوية المعروفة حتى الآن، ويزداد هذا العدد باستمرار وبسرعة كبيرة. وقد تم تقسيمها بأكثر من طريقة، ومن أسهلها التقسيم التالي الذي يقسم الأمراض الرثوية إلى عشر مجموعات هي:
- أمراض الأنسجة الضامة الجهازية.
- التهابات الأوعية الدموية وما يتعلق بها.
- اعتلالات الفقرات سلبي المصل.
- التهابات المفاصل المرتبطة بأمراض معدية.
- الاضطرابات الرثوية المرتبطة بأمراض أيضية (تمثيلية غذائية) أو صماوية (مرتبطة بالغدد الصماء) أو دموية.
- اختلالات العظم والغضاريف.
- اضطرابات الأيض الخلقية والوراثية المرتبطة بالمتلأزمات الرثوية.
- اضطرابات الجهاز الهيكلي العضلي غير المفصلية.
- التنشؤات (الأورام) والأفات شبيهة الأورام.
- اعتلالات رثوية متفرقة أخرى.
وتعتبر مجموعة الأمراض الرثوية هي الأكبر من نوعها على الإطلاق من حيث معدل انتشارها بين الناس، حيث تقدر الإحصاءات العالمية أن حوالي 30% من مجموع سكان أي بلد في العالم يعانون من أمراض أو آلام رثوية مختلفة، يتمثل أغلبها في التهابات المفاصل وآلام الظهر – لا سيما آلام أسفل الظهر – وأن حوالي ثلثي هذا الرقم الضخم (حوالي 20% من السكان) تكون لديهم الأعراض من الشدة الكافية التي تجعلهم يلجأون إلى الاستشارات الطبية، ومن الجدير بالذكر أن نسبة الاعتلالات الرثوية تزيد بزيادة السن، حيث وجد أن نحو ثلث المترددين على عيادات الأطباء بسبب أمراض رثوية في الولايات المتحدة يبلغون من العمر أكثر من 65 سنة، ولهذا يتوقع أن تكون أكثر في الدول ذات متوسطات الأعمار الأعلى من تلك ذات متوسطات الأعمار الأقل. وكمثال على ذلك نذكر إحصائية نشرت عن مجموع حالات الرثية المختلفة في الولايات المتحدة الأمريكية، والتي يبلغ سكانها أكثر من 280 مليون نسمة، حيث تشير الإحصاءات إلى أن عدد الذين يعانون من أعراض رثوية مختلفة يبلغ نحو 54 مليون نسمة (بنسبة 20% من مجموع السكان). كما أن مجموعة أمراض المناعة الذاتية الالتهابة (كالداء الرثياني والذئبة الحمراء والتصلب الجلدي) تمثل مجتمعة نحو 2 بالمائة من مجموع السكان، وأن نصف هذا العدد يعاني من الداء الرثياني، وهي بالتالي تمثل مجموعة كبيرة من الأمراض من حيث عدد المصابين، إذا أخذنا في الاعتبار أن نسبة المصابين بارتفاع الضغط في أمريكا يبلغ نحو 20 مليون (10 بالمائة) وأن نحو 5 مليون أمريكي (2%) مصابون بداء السكري. ولا تقتصر خطورة هذه الأمراض على العدد الكلي له، وإنما تجاوزه إلى العدد الكبير الذي يعاني من مضاعفات الأمراض الرثوية، فمن بين نسبة 30% يعانون من أعراض رثوية مختلفة هناك 20% (ثلثا العدد) يلجأون إلى الاستشارة الطبية بسبب هذه الأعراض، ومن بين هذا العدد هناك نحو 10 بالمائة (نصف عدد المجموعة السابقة) يعانون من درجة من العجز الناتج عن الاتهابات المفصلية، ومن بين هذا العدد يصل نحو نصف بالمائة (خمسة بالمائة من المجموعة السابقة) إلى العجز الكلي، ويتوفى نحو اثنان من مائة بالمائة (0.02%) من السكان سنويا بسبب الأمراض الرثوية، وتمثل هذه النسبة نحو 50 ألف حالة وفاة سنويا في الولايات المتحدة وحدها. وتعتبر الأمراض الرثوية السبب الثاني للعجز الحاد (بعد أمراض الجهاز التنفسي)، والسبب الأول للعجز المزمن، كما أن نسبة 10 بالمائة من الجراحات في الولايات المتحدة تكون من أجل إصلاح أو تقليل العجز الناتج عن الأمراض الرثوية.
وكنتيجة طبيعية فإن هذه الأرقام المخيفة تمثل عبئا كبيرا على الاقتصاد القومي لأي دولة في العالم، حيث تبلغ تكلفة علاج الأمراض الرثوية في الولايات المتحدة نحو 193 مليار دولار سنويا (وهو ما يمثل نحو عشر موازنة الدولة، ونحو 2.5 بالمائة من الناتج القومي الأمريكي)، وتمثل نفقات الولايات المتحدة على علاج الأمراض الرثوية نحو 38% من الإنفاق الطبي الكلي بها، بالإضافة إلى خسائر سنوية غير مباشرة تبلغ 77 مليار دولار، وهي الخسائر الناتجة عن عجز مرضى الرثية عن الإنتاج والعمل كأقرانهم في نفس الفترات العمرية.
الوصايا العشر في علم الرثية
إن علم الرثية من العلوم المربكة للعديد من الأطباء، وذلك بسبب صعوبة تشخيصها والتفريق بينها، ولهذا فقد وضع علماء الرثية عددا من القواعد الهامة لعل من أهمها ما يسمى بالقواعد الذهبية العشر – ويسميها البعض الوصايا العشر – في علم الرثية، ولكن تجدر الإشارة إلى أن هذه القواعد ليست صحيحة دائما بنسبة 100%، وعموما لا يوجد في الطب شيء صحيح بنسبة 100% أبدا، وهذه الوصايا العشر تتمثل فيما يلي:-
- يعد التاريخ المرضي المفصل والفحص السريري المنظم، جنبا إلى جنب مع المعلومة التشريحية الصحيحة أهم عوامل النجاح في الوصول إلى تشخيص صحيح للأمراض الرثوية، وفي كل الحالات يجب أن تفحص المريض.
- لا تطلب من المريض إجراء أية فحوصات معملية أو إشعاعية إلا إذا كنت تعرف بالضبط ماذا تريد من هذه الفحوصات، وما هي خطة العلاج لديك بعد إجرائها.
- مرضى الالتهابات المفصلية الحادة وحيدة المفصل يحتاجون إلى عمل شفط أو سحب لجزء من سائل المفصل، وذلك لتشخيص أو نفي الالتهابات الإنتانية أو البلورية.
- معظم مرضى الالتهابات المفصلية المزمنة وحيدة المفصل، والتي جاوزت ثمانية أسابيع بدون تشخيص السبب يحتاجون إلى عمل خزعة زليلية[2].
- من غير المعتاد أن يصيب النقرس السيدات قبل سن اليأس، كما أنه من غير المتوقع أن يصيب المفاصل القريبة من العمود الفقري (السيساء).
- معظم آلام مفصل الكتف تكون ناتجة من الأنسجة المحيطة بالمفصل وليس من المفصل نفسه (كالتهابات الأوتار والأجربة)، وكذلك فإن معظم آلام أسفل الظهر تكون أسبابها غير جراحية.
- مرضى خشونة المفاصل (الفصال العظمي) الذي يصيب مفاصل لا تصاب عادة بالفصال الأولي (كالرسغ والمرفق والكاحل) يجب أن يعاد تقييمهم بحثا عن أسباب أخرى سببت فصالا ثانويا (كاختلالات الأيض أو الأمراض الانضدادية أو غيرها).
- الآلام العضلية الليفية الأولية[3] لا تصيب عادة المرضى لأول مرة بعد سن الخامسة والخمسين، كما أنها لا تكون التشخيص السليم في معظم الحالات التي تكون نتائج تحاليلها وفحوصاتها غير سليمة.
- ليس كل المرضى الذين لديهم عامل رثياني موجب يعانون فعلا من الداء الرثياني، كذلك ليس كل المرضى الذين لديهم مضادات أنوية يعانون من الذئبة الحمراء.
- عندما تواجه بمريض يعاني من مرض روماتزمي جهازي معروف، ويعاني من حمى وأعراض متعددة الأجهزة، عليك أن تستبعد أولا احتمالية حدوث عدوى أو وجود أمراض غير رثوية أخرى، ولا تتسرع في تفسير هذه الأعراض على أنها من الأعراض المتوقعة للمرض الرثوي الذي يعاني منه، وعليك أن تذكر دائما أن مرضى الرثية الذين يموتون بسبب العدوى أكثر من المرضى الذين يموتون من الأمراض الرثوية نفسها.