عودة فرضية الإله (كتاب)/الجزء الخامس

من موسوعة العلوم العربية
مراجعة 15:25، 28 سبتمبر 2024 بواسطة إدارة الموسوعة 1 (نقاش | مساهمات) (الفصل العشرون)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
عودة فرضية الإله.jpg

الفصل العشرون

عمل الإله أم مغالطة إله الفجوات جلست في الساعة الثانية صباحًا في ليلة ماطرة من ليالي الشتاء الإنجليزية من كانون الأول (ديسمبر) 1986 خارج غرفة إسحاق نيوتن القديمة أمام كلية ترينيتي. بينما كان الضباب الشديد يتخلل كليات القرون الوسطى وسط كامبريدج، وتأملت كيف تغير تفكير الناس حول العلم والله؛ بداية من نشر كتاب نيوتن الكبير المبادىء Principia في عام 1687، قبل ثلاثة قرون تقريبًا. كتب نيوتن في خاتمة طبعة لاحقة من الكتاب تحت عنوان "المدرسة العامة" وفي أعمال علمية أخرى، لا سيما كتاب البصريات Opticks، منظورًا لاهوتيًا عميقًا. ولم يقتصر على تمجيد نظام الطبيعة واتساقها باعتبارهما انعكاسًا لصفات الله وقيّومته على الخلق؛ بل حاجج لإثبات وجود الله انطلاقًا من دليل التصميم (دليلُ النَّظْم) الواضح في الطبيعة – والخلاصة عمل على إثبات فرضية وجود الله. انهيت مقالتي الأولى عن الجدل حول الجاذبية العامة universal gravitation بعد عودة الطلاب الجامعيين إلى منازلهم لقضاء "عطلة عيد الميلاد" بفترة طويلة، وكانت زوجتي ذد ذهبت في رحلة قصيرة إلى الوطن لزيارة عائلتها في الولايات المتحدة خلال الإجازة. وهكذا دون وجود أي شخص آخر حولي، اندفعت أكتب وأكتب في كل ليلة فلم أعد أشعر بمرور الزمن تمامًا، انطلقت ماشيًا من شقتنا بالقرب من قناة هوبسون فوجدت نفسي في المكان الذي عاش فيه نيوتن وكتب. ولعلنا نذكر أن الفيلسوف الألماني الذي عاصر نيوتن، ليبنز، كان قد اعترض على قانون نيوتن العام للجاذبية، لأنه لا يحدد أي سبب مادي للحركات المنتظمة للأجرام الكوكبية التي وصفها القانون. وهذا هو محور المقال الذي كنت أكتبه. جلست لمدة ساعة أفكر في كل ما كنت أقرؤه: تأملات نيوتن في لغز التأثير عن بعد؛ حول فهمه للفعل الإلهي في الطبيعة؛ وعن غلبة الانطباع بالتصميم الذي أدركه في الضبط الدقيق لمواقع الكواكب، وكيف بدا أن التعقيد المتكامل للعين وكأنه قد توقع مسبقًا الخصائص التي يملكها الضوء. لقد أدهشني نيوتن جزئيًا لأن وجهة نظره حول العلاقة بين العلم والاعتقاد بإله واحد theistic belief تختلف اختلافًا كبيرًا عن تلك التي واجهتها في أوكسبريدج الحديثة (أوكسبريدج كلمة تستخدم للإشارة إلى أوكسفورد وكامبردج أو إحداهما باعتبارهما أقدم وأغنى جامعتين في المملكة المتحدة)، حيث اكتسب كتابان مهمان شهرة عالمية هائلة في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، نشر عالم الأحياء في جامعة أكسفورد ريتشارد دوكينز في عام 1986 كتابه صانع الساعات الأعمى؛ لماذ يكشف التطور عن كون بلا تصميم The Blind Watchmakerوبيع منه أكثر من ثلاثة ملايين نسخة. ويستوعب سطر واحد من الصفحة الأولى أطروحة دوكنز بإيجاز: "علم الأحياء هو دراسة الأشياء المعقدة التي تعطي مظهرًا بأنها قد صممت لغرض ما."1 لأنه كما قال دوكنز تفسر نظرية التطور ظاهر التصميم بوصفه نتاجًا لعملية غير موجهة كليًا تتكون من الطفرات والانتقاء الطبيعي، ويزيل الحاجة إلى افتراض أي دور يؤديه ذكاء مصمم في تاريخ الحياة. وقد حاجج بأن ذلك "يتيح لك أن تكون ملحدًا عميق الثقافة." 2 ثم نشر ستيفن هوكينج في عام 1988 في كمبردج "موجز تاريخ الزمن A Brief History of Time". وقد سعى هوكينج لتقويض الحجة الكونية لوجود الله cosmological argument (الحجة الكلامية) بينما كان دوكينز يستهدف حجة التصميم في علم الأحياء. تفوقت أكثر الكتب مبيعًا لهوكينغ على كتب داوكينز، وتصدرت في النهاية عشرة ملايين نسخة بيعت في جميع أنحاء العالم. أثر هذان الكتابان في تشكيل الرأي العام بقوة. كانت سمعة هوكينغ في كامبريدج كفيزيائي وشهرته الدولية المتزايدة تحوم حول جميع مناقشات العلم والدين تقريبًا. فإن فسّر ستيفن هوكينغ نشأة الكون بقانون جديد للجاذبية الكمومية، حسنًا، "فما هو مكان الخالق إذن؟". وبالفعل إن بينت الداروينية الجديدة أن الطفرة والانتقاء الطبيعي يمكن أن يفسرا مظهر التصميم في الحياة، كما جادل دوكينز في عباراته البليغة، فقد تكون الحياة قد نتجت عن "صانع ساعات أعمى" (أو من "لامبالاة عمياء لا ترحم" على حد تعبيره لاحقًا) ولا شيء وراء ذلك. جادل كل من دوكينز و هوكينج أو ألمحا ضمنيًا، كما اقتنع هوكينج لاحقًا، أن "أبسط تفسير هو أنه لا يوجد إله." 3 ولذلك شجعت كتبهم على الاعتقاد بوجود تنازع بين العلم والإيمان بالخالق. افترض العديد من العلماء الذين قابلتهم في كمبريدج وجهة نظر مماثلة، رغم اعترض الكثيرون على خطاب دوكينز المتشنج المعادي للدين دون ضرورة. والمؤمنون القلائل الذين قابلتهم في مجال العلوم، بمن فيهم مجموعة في بريطانيا تسمى "المسيحيون في العلوم"، قد تبنوا موقفًا دفاعيًا. اشترك البعض في النموذج الذي ناقشته في الفصل الثالث المسمى "نزعة فصل المجالات وعزلها" compartmentalism، أو ما أطلق عليه عالم الأحافير الراحل في جامعة هارفارد ستيفن جاي جولد لاحقًا "المجالات المعرفية غير المتداخلة" أو NOMA، 4تذكر أن هذا النموذج ينص على أن العلم والدين يصفان حقائق مختلفة تمامًا. غالبًا ما يدعم المؤيدون هذا الرأي باقتباس قول أثر عن جاليليو بأن الكتاب المقدس يعلِّم "كيف يذهب المرء إلى السماء، وليس كيف تسير السماء".5 اشترك آخرون في فكرة وثيقة الصلة تسمى "التكاملية complementarity". يعتقد مؤيدو هذا الرأي أن العلم والدين قد يصفان أحيانًا نفس الحقائق؛ ومع ذلك، فإنهما يفعلان ذلك بلغة تكمل بعضها بعضًا ولكنها في النهاية غير متوافقة أو "لا تقبل قياسًا موحدًا" noncommensurable. 6 ينكر أنصار هاتين النظرتين تعارض العلم مع الدين، عبر تصوير العلم والدين بأنهما مؤسستان منفصلتان تمامًا بحيث لا يمكن أن تتقاطع ادعاءاتهما بأي شكل من الأشكال.. 7 وقد عزل هذا الطرح فرضية الله عن محاولات الدحض العلمي، كما نفى أيضًا إمكانية دعم العلم للاعتقاد الإيماني.

رد فعل متساوي بالمقدار ومعاكس بالاتجاه

لقد واجهت طرق التفكير هذه تمامًا منذ بداية رحلتي للتفكير في طريقة مختلفة تمامًا لتصور العلاقة بين العلم والإيمان التوحيدي. كانت أفكاري مدفوعة جزئيًا بأفكار علماء مثل ألان سانداج Allan Sandage ودين كينيون Dean Kenyon وتشارلز ثاكستون Charles Thaxton، الذين قابلتهم في مؤتمري دالاس وييل اللذين حضرتهما قبل مغادرتي إلى كامبريدج. أعطتني قراءتي لمؤسسي العلوم الحديثة المبكرة ثقلًا فكريًا موازنًا للمنظور الذي كنت أواجهه في كامبريدج المعاصرة. على الرغم من اعتراف نيوتن وروبرت بويل، على سبيل المثال، بالحياد الديني للعديد من مجالات الأبحاث العلمية، فقد اعتقد كلاهما أن جوانب معينة من الطبيعة تشير إلى "موجود عليم قدير"، على حد تعبير نيوتن. لقد فهم نيوتن أيضًا أن معظم قوانين الطبيعة الأساسية إما أنها تصف الانتظام الملحوظ في الطبيعة فقط أو أنها تُظهر "فعل روحي مستمر constant Spirit action" للإله الـقيّوم للعالم. لم يعتقد أن قوانين الفيزياء وحدها تفسر أصل النظام الشمسي، فضلًا عن أن تفسر أصل الكون. وبمجرد اطلاعي على فهم نيوتن لما تفسره قوانين الفيزياء وما لا تفسره جعلني متشككًا في الدعاوى العريضة والشعبية لهوكينغ عن أصل الكون. كما جعلني ذلك منفتحًا على فكرة أن نظرية الانفجار الأعظم، وأن الأدلة على وجودنا في كون محدود finite قد يكون لها آثار إيمانية في نهاية المطاف. ومن خلال قراءتي لمراسلات ليبنيز - كلارك وكتاب المبادئ Principia تعرفت على فلسفة نيوتن عن الطبيعة واللاهوت الطبيعي (الشكل 20.1). إن دعم نيوتن لحجة التصميم، بناءً على الضبط الدقيق لنظامنا الكوكبي والتعقيد المتكامل للأنظمة الحية، قد ردد صدى الأفكار التي اطلعت عليها مؤخرًا في عمل علماء معاصرين آخرين. كان الاستثناء الوحيد فعلًا للموقف الفكري الدفاعي المنتشر بين العلماء المؤمنين هو عالم الفيزياء بجامعة كامبريدج جون بولكينهورن. إذ بدأ بولكينهورن في الدفاع عن حجة تصميم قوية تستند إلى ضبط دقيق للكون ملائم للإنسان. أما بالنسبة لأصل الحياة، فقد كان لدي أسبابي الخاصة للاعتقاد بأن الملحدين العلميين مثل دوكينز كانوا يبالغون في طرح قضيتهم. كنت أعرف بالفعل أنه لم يفسر هو ولا أي شخص آخر منشأ الشفرة الرقمية اللازمة لإنتاج الخلية الحية الأولى.

إسحاق نيوتن

وهكذا، فإن دراستي لفلسفة نيوتن الطبيعية - في ضوء الأدلة الحالية المتعلقة بمنشأ الكون والحياة – تفتح الباب لتقديم حجة مسندة بالبرهان على وجود الله. وكما اشتهرت ملاحظات نيوتن في نصوصه القوية من القرن السابع عشر، وإن كانت نصوصًا متناثرة ومربكة أحيانًا، "وهكذا يتعلق الكثير بالله؛ في النقاش حول أي مظاهر الأشياء ينتمي بالتأكيد إلى الفلسفة الطبيعية." 8 ترجمة ذلك: أن ملاحظاتنا للطبيعة يمكن أن تخبرنا الكثير عن حقيقة ووصفات الله. 9

اعتراض إله الفجوات

يُعرف الاعتراض الشائع على وجهة نظر نيوتن للعلاقة بين العلم والإيمان بإله واحد باسم اعتراض إله الفجوات God-of-the-gaps (سنطلق عليه لاحقًا، اعتراض GOTG). وفقًا لمن يطرحون هذا الاعتراض، تحدث مغالطة إله الفجوات عندما يستند شخصٌ على نشاط ذكاء إبداعي أو فعل الله لشرح الظواهر أو الأحداث في العالم الطبيعي. يجادل النقاد بأن مثل هذه الافتراضات تعيق التقدم العلمي بطرح عمل الله (أو الذكاء الإبداعي) لتفسير الظواهر أو الأحداث التي سيشرحها العلماء في نهاية المطاف، بمجرد اكتشافهم لقوانين جديدة للطبيعة أو اكتشافهم للعمليات المادية. وأن السماح بطرح الله كتفسير لن يؤدي إلا إلى إعاقة أو تشتيت انتباه العلماء عن اكتشاف مثل هذه التفسيرات الصحيحة. يقلق بعض علماء الدين من أن طرح وجود الله لتفسير ظواهر أو أحداث طبيعية في التاريخ الطبيعي سيؤدي حتمًا إلى تشويه سمعة الإيمان بالله عند اكتشاف العلماء قوانين أو عمليات جديدة ربما تجعل فرضية الله غير ضرورية. يجد بعض المؤمنين أيضًا أنه غير مقبول لاهوتيًا وجماليًا، بل ومهينًا لشخص الإله مجرد أن نفكر في أن الله يلزمه أن "يتدخل" دوريًا "لإصلاح" بعض جوانب التصميم الأصلي للكون التي ربما لم تكن مصممة بشكل صحيح بداية. مؤسسة بيولوغوس BioLogos ، مجموعة مسيحية مؤثرة تدافع عن نظرية التطور الإلهي وتعارض التصميم الذكي، 10 يشرح اعتراض مغالطة إله الفجوات بهذا الأسلوب:

تستغل حجج إله الفجوات الثغراتِ في التفسير العلمي كمؤشرات، أو حتى براهين، على فعل الله، وبالتالي على وجود الله. تطرح هذه الحجج الأفعال الإلهية بدلًا من الأسباب الطبيعية والعلمية للظواهر التي لم يستطع العلم تفسيرها بعد. وافتراض الحجة هو أنه إذا لم يستطع العلم تفسير كيفية حدوث شيء ما، فيلزم من ذلك أن يكون الله هو التفسير. لكن . . . مع التقدم المستمر للعلم، غالبًا ما يتم استبدال تفسيرات إله الفجوات بآليات طبيعية. . . [و] هكذا قد يتضارب البحث العلمي دون داعٍ مع الإيمان بالله. 11

غالبًا ما يستشهد نقاد التصميم الذكي أو الحجج الإيمانية القائمة على العلم بأن نيوتن باعتباره المثال الأول للعلماء. 12 كان قد ارتكب مغالطة إله الفجوات. كما تُروى القصة غالبًا، بعد أن نجح نيوتن في استخدام قانونه العام للجاذبية لوصف حركة الكواكب في النظام الشمسي، اكتشف أن مدارات الكواكب الخارجية لا تتوافق بدقة مع المسارات التي حسبها. علاوة على ذلك، أدرك على ما يبدو أن الجاذبية المتبادلة بين الكواكب الخارجية ستجعل النظام الشمسي غير مستقر. ونتيجة لذلك، يقولون أنه افترض تدخلات دورية من الله أو - في بعض روايات القصة – تدخل ملائكة لإعادة الكواكب إلى مداراتها الصحيحة. ثم في وقت لاحق عندما بيّن الفيزيائي الفرنسي لابلاس كيف يمكن للقوانين التي وضعها نيوتن أن تفسر الانحرافات المرصودة، أثبت (حسنًا!) أن افتراض نيوتن لوجود فعل إلهي - افتراض "إله الفجوات" - غير ضروري. وهكذا تراجع إله نيوتن إلى الأبد، أو هكذا سُردت القصة.13 وسأصحح في القسمين الأخيرين من هذا الفصل السرد التاريخي للمسألة. غالبًا ما يقوم معارضو نظرية التصميم الذكي النظرية بوصمها أنها حجة إله الفجوات أو "حجة الاحتكام إلى الجهل"، وغالبًا ما يقارنوها بطرح نيوتن المفترض للفعل الإلهي في إصلاح النظام الشمسي. وفقًا لهذا النقد، فإن أي شخص يستنتج التصميم كثمرة لوجود المعلومات النوعية specified information في الخلايا الحية يستغل الجهل الحالي أو الثغرات الحالية في معرفتنا لسبب مادي مناسب لتبرير هذا الاستنتاج. نظرًا لأن الاعتراض يقول بأن دعاة التصميم لا يستطيعون تخيل عملية طبيعية يمكن أن تنتج معلومات بيولوجية نوعية، فإنهم يلجؤون إلى استدعاء المفهوم الغامض للتصميم الذكي. من وجهة النظر هذه، يقدم التصميم الذكي بديلًا للجهل، حيث يملأ أنصاره ثغرة الجهل بافتراض نشاط للذكاء الإبداعي. ويتهم النقاد بأن حجة التصميم الذكي في تاريخ الحياة تشكل استمرارًا للحجة الخاطئة لإله الفراغات رغم أنها لا تذكر الله صراحة. ويترتب على ذلك أن توسيع هذه الحجة لدعم فرضية صريحة عن وجود الله وفعله (كما يفعل هذا الكتاب) من شأنه، في نظرهم، أن يعمق من ارتكاب مغالطة إله الفجوات.

  • ما مدى صحة هذا الإدعاء؟
    • الاحتجاج بالاحتكام إلى الجهل؟

دعونا ننظر أولاً إلى إن كانت حجة التصميم الذكي في علم الأحياء - والتي لا تحاول في حد ذاتها تحديد ماهية الذكاء التصميمي المسؤول عن الحياة - ترتكب مغالطة الاحتكام إلى الجهل. تحدث الحجج بالاحتكام إلى الجهل عندما يتم تقديم الدليل ضد اقتراح ما كأساس وحيد لقبول اقتراح بديل. وبالتالي تتخذ المغالطة الشكل التالي:

  • المقدمة: السبب "أ" لا يمكنه إنتاج أو تفسير الدليل E
  • النتيجة: ولذلك فقد كان السبب B مسؤولًا عن إنتاج أو تفسير E

الحجج وفق هذه الصورة ترتكب خطأ منطقيًا واضحًا. ولا تتضمن مقدمة تقدم دعمًا إيجابيًا للاستنتاج المختار. وبدلاً من ذلك تقدم فقط أدلة ضد كفاية بعض التفسيرات البديلة. على سبيل المثال، إذا جادل شخص ما بأن إصابة حصان سباق معين (مثلًا؛ حصان الأغر) تعني أن حصانًا آخر (مثلًا، حصان الأدهم) سيفوز بالضرورة بسباق الخيل، فإن هذه الحجة سترتكب مغالطة الاحتكام إلى الجهل. ولتبرير الاستنتاج، يحتاج الشخص إلى تقديم أدلة مؤكدة تثبت أن الحصان المفضل قد أظهر نفسه أسرع من الخيول الأخرى في الميدان. والآن هل ترتكب حجة التصميم الذكي للحياة، مغالطة مماثلة؟ إنها لا ترتكب ذلك. صحيح أن هذه الحجة تعتمد جزئيًا على التقييمات الناقدة لملاءمة التفسيرات المادية كسبب لأصل المعلومات المحددة في الحمض النووي. لكن مع ذلك فإن "التعقيد النوعي" أو "المعلومات النوعية" للحمض النووي يتضمن سببًا ذكيًا سابقًا وليس أن سيناريوهات الأصل المادي للحياة تفشل في تفسير ذلك فقط، ولكن أيضًا لأننا نعلم أن العوامل الذكية يمكنها إنتاج معلومات من هذا النوع وتنتجها فعلًا. لدينا معرفة إيجابية قائمة على الخبرة عن سبب بديل كافٍ لإحداث هذا التأثير. يحتاج الناقدون إلى تحريف مسألة مغالطة إله الفجوات لأجل تصوير مؤيدي نظرية التصميم الذكي على أنهم يرتكبونها. على سبيل المثال، يدعي مايكل شيرمر، "التصميم الذكي. . . يجادل بأن الحياة معقدة نوعيًا للغاية (هياكل معقدة مثل الحمض النووي). . . فلا يمكن أن تكون تطورت بفعل القوى الطبيعية. لذلك، فلا بد أن الحياة قد نشأت بواسطة. . . مصمم ذكي." 14 يدعي باختصار أن أنصار التصميم الذكي يطرحون حجتهم كما يلي:

  • مقدمة: الأسباب المادية لا يمكنها أن تنتج أو تفسر معلومات نوعية.
  • نتيجة: لذلك فلا بد أن سببًا ذكيًا قد أنتج المعلومات المحددة في الحياة.

في الواقع لا تعتمد قضية التصميم الذكي للحياة، المقدمة في الفصلين 9 و 10 من كتاب فرضية الله وفي كتبي السابقة، على هذا المنطق. بل تأخذ الحجة شكلًا مختلفًا جدًا وهو هكذا:

  • المقدمة الأولى: على الرغم من البحث الشامل، لم يتم اكتشاف أسباب مادية لها القدرة على إنتاج كميات كبيرة من المعلومات النوعية اللازمة لإنتاج الخلية الأولى.
  • المقدمة الثانية: أظهرت الأسباب الذكية القدرة على إنتاج كميات كبيرة من المعلومات النوعية.
  • نتيجة: يشكل التصميم الذكي أفضل التفاسير وأكثرها ملاءمة سببيًا لأصل المعلومات النوعية في الخلية.

من الواضح أنه بالإضافة إلى فرضية افتقار الأسباب المادية إلى الكفاية السببية، تؤكد هذه الحجة إثبات الملاءمة السببية لسبب بديل، أي الفاعلية الذكية intelligent agency. الحجة كما ذكرتها لا تفشل في طرح مقدمة تؤكد الدليل الإيجابي لسبب بديل. والحجة على وجه التحديد تتضمن مثل هذه المقدمة. لذلك فالحجة لا تحتكم إلى الجهل أو ترتكب مغالطة "الثغرات" (الشكل 20.2). بدلاً من ذلك، وكما رأينا في الفصل 9 من كتاب فرضية الإله، يستخدم أنصار التصميم الذكي المعاصرون الأسلوب الموحد المعياري للتفكير المستخدم في العلوم التاريخية. أي تشمل الحجج الخاصة بالتصميم الذكي بالضرورة تقييمات نقدية للكفاية السببية للفرضيات المتنافسة، وهذا أمر مناسب تمامًا. يجب على علماء التاريخ مقارنة مدى كفاية الفرضيات المتنافسة للحكم على أي الفرضيات تعتبر الأفضل. ومع ذلك، فإننا لن نقول مثلًا؛ أن عالمة آثار قد ارتكبت مغالطة "نقش الفجوات" لمجرد – أنه بعد رفض الفرضية القائلة بأن الكتابة الهيروغليفية القديمة نتجت عن عاصفة رملية – وصلت إلى استنتاج بأن النقش كان بواسطة كاتب ذكي. ولكن عالمة الآثار توصلت إلى الاستنتاج بناءً على معرفتها القائمة على الخبرة بأن نقوش الكتابة الغنية بالمعلومات تنشأ دائمًا من أسباب ذكية. ولم تبني استنتاجها فقط على حكمها بأنه لا يوجد سبب طبيعي يمكن أن يفسر نقش الكتابة.

الفرق بين الاحتكام إلى الجهل واستنباط أفضل التفسيرات

يصور بعض نقاد التصميم الذكي قضية التصميم الذكي على أنها حجة مغالطة للاحتكام إلى الجهل. يزعمون أن مؤيدي الحجة يؤكدون التصميم الذكي فقط بسبب عدم معقولية العمليات الطبيعية المختلفة naturalistic processes (NP) كتفسيرات سببية لأصل المعلومات المحددة، التأثير الرئيسي (E) الذي يلزم تفسيره في النظم الحية. ومع ذلك، فإن المعلومات النوعية للحمض النووي DNA تدل على سبب ذكي سابق، وليس ذلك لمجرد أن سيناريوهات المنشأ الطبيعي أو المادي المختلفة للحياة تفشل في تفسيره، ولكن أيضًا لأننا نعلم أن العوامل الذكية يمكنها إنتاج معلومات من هذا النوع وتنتجها فعلًا. وهكذا، بالإضافة إلى مقدمة مفترضة عن كيفية افتقار العمليات الطبيعية للكفاية السببية، فإن حجة التصميم الذكي (ID) المقدمة هنا تستشهد أيضًا بأدلة على قوة العوامل الذكية في إنتاج معلومات وظيفية أو نوعية. وبالتالي، فإن الحجة كما ذكرت، لا تفشل في تقديم مقدمة تؤكد الدليل الإيجابي على كفاية سبب مفضل ما. والحجة على وجه التحديد تتضمن هذه المقدمة. فهي لا ترتكب مغالطة الاحتجاج بالاحتكام إلى الجهل. وقد مثل الشكل الخاطئ من حجة التصميم الذكي كما يصورها نقاد نظرية التصميم الذكي في النصف العلوي من هذا الشكل. أما الشكل الصحيح للحجة المقدمة في هذا الكتاب كاستدلال على أفضل التفسيرات فهو موضح في النصف السفلي من الشكل. كما أن ما نعرفه من خبرتنا الموحدة والمتكررة حول سبب المعلومات النوعية (خاصة عندما نجدها في شكل رقمي Digital) يتيح لنا التعامل مع هذه المعلومات باعتبارها سمة مميزة للذكاء. في جميع الحالات التي نعرف فيها أصل المعلومات النوعية يؤدي التصميم الذكي دورًا سببيًا. وهكذا عندما نواجه مثل هذه المعلومات في الجزيئات الحيوية الكبيرة الضرورية للحياة، يمكننا أن نستنتج أو نستنتج بشكل رجعي - بناءً على معرفتنا بالعلاقات المثبتة للسبب والنتيجة - أن سببًا ذكيًا كان يعمل في الماضي لإنتاج المعلومات اللازمة لأصل الحياة.

  • هل هي حجة "إله الفجوات"؟

ولكن ماذا عن الحجة التي يقدمها هذا الكتاب ليس لمجرد إثبات مصمم ذكي بهوية غير محددة، ولكن على وجه التحديد لإثبات مصمم وخالق إلهي - فرضية الله – باعتبارها أفضل التفسيرات للنشأة البيولوجية والكونية؟ هل هي حجة إله الفجوات؟ نعيد القول مرة أخرى، إنها ليست كذلك. على الرغم من أن الحجة المقدمة هنا تتعلق بالأحداث التي تتحدى التفسيرات المادية لنشأة الكون والحياة بانقطاعات سببية أو فجوات تفسيرية، إلا أنها لا تؤكد وجود أو فعالية الإله اعتمادًا على تلك الفجوات فقط. بل يستخدم اعتبارات مباشرة للملاءمة السببية جنبًا إلى جنب مع الشرطية والمزايا النظرية الأخرى 15 لتقييم القدرة التفسيرية للفرضيات الميتافيزيقية المتنافسة، ولتقديم الإيمان التوحيدي على أنه استنتاج لأفضل التفسيرات، وليس حجة بالاحتكام إلى الجهل.

  • القصور السببي في التفسيرات المادية

في تقييم تفسيرات نشأة الكون، قمت بالطبع بانتقاد العديد من النظريات المادية، بما في ذلك نظريات الحالة المستقرة steady-state والكون المتذبذب oscillating-universe. لقد أوضحت أيضًا أن علم الكونيات الكمومي - الذي قدمه الماديون العلميون كبديل لفرضية الله – قد فشل في تقديم تفسير مادي ملائم سببيًا لنشأة الكون (بل وله آثار إيمانية غير مقصودة). كما جادلت بأن جميع النظريات المادية لأصل الكون المادي تواجه مشكلة أساسية بالنظر إلى الأدلة التي لدينا على وجود بداية كونية. إذ قبل وجود المادة والطاقة، لا يمكنهما التسبب في نشأة الكون المادي أو الاعتماد عليهما لتفسير نشأة الكون المادي. بل إن افتراض عملية مادية لتفسير منشأ المادة والطاقة يفترض وجود نفس الكيانات – أي المادة والطاقة - التي يحتاجها الماديون لتفسير نشأتها. لا يوجد حقًا أي تفسير مادي يمكنه إصلاح هذا الانقطاع السببي بالذات أو ردم الفجوة – أي الفجوة بين إما لا شيء nothing أو حقيقة غير مادية أو رياضية موجودة مسبقًا، هذا من جهة، ومن الجهة الأخرى يوجد الكون المادي. كما أن الاحتكام إلى قوانين الطبيعة لا يحل هذه المشكلة. إن ادعاء ستيفن هوكينج بأن "قوانين العلم" أو "قانون الجاذبية" يمكن أن يفسر "لماذا يوجد شيء بدلًا من لا شيء" يُظهر ارتباكًا فلسفيًا عميقًا عنده حول ما يمكن أن تفعله قوانين الفيزياء. إذ تصف قوانين الطبيعة كيف تعمل الطبيعة وكيف تتفاعل أجزاء الطبيعة المختلفة مع بعضها البعض؛ ولا تتسبب القوانين في إيجاد العالم الطبيعي في المقام الأول. يشير هذا إلى عدم جدوى أن ننتظر اكتشاف قانون جديد ما للطبيعة أو "نظرية كل شيء". لأنه لا يمكن لقانون طبيعي أن يصلح الانقطاع السببي بين اللا شيء ونشأة الطبيعة نفسها. وقد جادلت بالمثل في الفصلين 13 و 16 ضد الملاءمة السببية للتفسيرات الطبيعية المقترحة - مثل المبدأ الإنساني الضعيف والمبدأ الإنساني القوي وفرضية الأكوان المتعددة – لتعليل الضبط الدقيق للكون. لقد أوضحت بشكل أعمق أن قوانين الفيزياء لا يمكنها تفسير حالة ضبطها الدقيق أو ضبط التكوينات الأولية للكتلة-الطاقة في بداية الكون. رأينا أنه من أجل وصف سلوك نظام فيزيائي، تتطلب جميع قوانين الفيزياء المعروفة مدخلات خارجية للمعلومات حول الشروط الأولية والحدودية للنظام المدروس، ومدخلات خارجية لقيم ثوابت التناسب الخاصة بها. وأعني بكلمة "خارجي" المعلومات حول مثل هذه الشروط التي تأتي من خارج قوانين الفيزياء نفسها. تشكل قيم الثوابت الفيزيائية وبالتأكيد الظروف الأولية للكون مثل هذه المعلومات الخارجية. ولكن الظروف الأولية للكون وثوابت الفيزياء مضبوطة بدقة، ويترتب على ذلك أن قوانين الفيزياء نفسها لا تفسر ولن تستطيع تفسير منشأ الضبط الدقيق. يشير هذا إلى فجوة أخرى لا يمكن لقوانين الطبيعة سدها مبدئيًا.16 حتى موقع بيولوغس BioLogos، وهي المجموعة التي قادت بقوة اعتراض مغالطة إله الفجوات ضد التصميم الذكي في علم الأحياء، تقر بأن هذا الاعتراض لا ينطبق على الضبط الدقيق (وربما نشأة) الكون نفسه. فكما يشرحون، “يتهم بعض النقاد أن استدعاء الله كواضع للضبط الدقيق هو عودة إلى إله الفجوات. ولكن لا يبدو أن هناك أي طريقة لتعليل الخصائص التفصيلية لقوانين الطبيعة من داخل العلم." 17

  • الكفاية السببية لفرضية الله

ومع ذلك، فإن الحجة المقدمة هنا لا تقفز مباشرة من نقد التفسيرات المادية لتصل إلى استنتاج بلزوم تسبب فاعلٍ علي وحكيم في نشوء الكون والحياة. أولاً، كما ذكر سابقًا قدمت دليلًا إيجابيًا على الملاءمة السببية لوجود فاعلية ذكية مسببًا لوجود نوع المعلومات الرقمية النوعية اللازمة لإنتاج الحياة. كما عرضت المنطق الإيجابي لتأكيد المدى الفريد لكفاية السببية لفاعل متعال حكيم كأفضل التفسيرات لجملة واسعة من الأدلة المطروحة في هذا الكتاب. لتقديم هذه القضية لم أجادل فقط لإثبات الكفاية السببية لفاعل ذكي ما كأفضل التفسيرات لمصدر المعلومات البيولوجية؛ بل قدمت أيضًا أسبابًا لتأكيد الملاءمة السببية الفريدة لحكمة علية كأفضل التفسيرات لنشأة الكون وضبطه الدقيق. فجادلت على سبيل المثال بأن أي مسبب قادر على تفسير أصل الكون وضبطه يجب أن يكون بطريقة ما منفصلًا سببيًا عن الكون، أو كما نقولها بالمصطلحات الفلسفية، أن يتجاوز المادة، والمكان، والزمن، والطاقة. اعترف الماديون أنفسهم ضمنيًا بالحاجة إلى كيان تفسيري متسامٍ من خلال فرض أكوانٍ خارج كوننا وكياناتٍ رياضية غير مادية مجردة (مثل تلك الموجودة في علم الكون الكمومي) كتفسيرات لأصل الكون وسماته الأساسية. كما شرحنا سابقًا، إما أن تفشل هذه التفسيرات المادية محضة، أو أن لها عواقب مدمرة على العلم. من ناحية أخرى، فإن الله، كما يتصوره المؤمنون، يتمتع بصفة التجاوز أو التعالي transcendence ويمكن الاحتجاج به دون أن يكون لهذا عواقب مدمرة على العلم. فلذلك يعتبر تفسيرًا مناسبًا سببيًا لنشأة الكون المادي، أكثر ملاءمة من أية تفسيرات تعبر عن نظرة كونية مادية materialistic أو نظرة كونية تعتمد وحدة الوجود pantheistic. كما أن لهذا جانب آخر بينته في الفصل الثاني عشر، أوضحت كيف أن افتراض فعل عامل حر يمكنه حل معضلة بداية الكون المادي التي قد تبدو مستعصية على الحل في المذهب الطبيعاني naturalism. لأن اختيار الفاعل الحر الحكيم يمكنه تعليل نشأة الكون دون التذرع بحدث مادي غير مسبب (في انتهاك لمبدأي السبب الكافي والسببية sufficient reason and causality) أو التسلسل اللانهائي للأسباب المادية المعارض لملاحظات وجود بداية للكون.18 من خلال تسليط الضوء على قدرة الفاعلين المتمتعين بالإرادة الحرة لتوليد التغيرات المفاجئة للحالة لا تقيده مجموعة الشروط المادية الضرورية والكافية، قدم الفصل 12 تبريرًا إضافيًا لتأكيد الكفاية السببية لفاعل متعال، حكيم، مدرك، يتمتع بالإرادة الحرة – وهو ما نسميه الله - كتفسير لأصل الكون. كما أن هذا التبرير أكد الكفاية السببية تلك دون تقويض أساس العقلانية، ودون مناقضة الأدلة ذات الصلة. عزز الفصلان 8 و 16 هذه الحجة؛ فشرحت هناك كيف يبرز الضبط الدقيق للكون خاصيتان – درجة عالية من عدم الاحتمالية، ونوعية وظيفية - التي ننسبها عادة إلى نشاط الفاعلين الأذكياء. إذ نلاحظ كثيرًا بناءً على خبرتنا الموحدة والمتكررة أن فاعلين أذكياء ينتجون أنظمة أو أحداثًا غير محتملة للغاية، والتي تمثل مجموعة من المتطلبات الوظيفية، كما نرى في الساعات السويسرية المضبوطة بدقة، وأجهزة الكمبيوتر الرقمية، والمحركات، ووصفات الطهي، والرسائل المشفرة. وبالتالي نملك دليلًا تجريبيًا على كفاية الفاعلية الذكية أو التصميم كسبب لوجود الأنظمة المضبوطة بدقة. ونظرًا لأن هذا الضبط الدقيق للكون نشأ مع بداية الكون نفسه، تشير هذه الفئة من الأدلة إلى الحاجة إلى الذكاء المتعالي لتقديم تفسير هو الأكثر كفاية. بالإضافة إلى ذلك، فقد جادلت بأن الكفاية السببية في مذاهب الإيمان التوحيدي theism ترجح على الكفاية السببية في مذهب الربوبية deism كتفسير لأصل المعلومات الوظيفية اللازمة لإنتاج الحياة، لأن الربوبية لا تنسب إلا التعالي transcendence فقط لمفهوم الإله، ولا تنسب القيومية immanence له أو التصرف involvement في الكون بعد إنشائه. ولكن الحياة قد نشأت لأول مرة بعد وقت طويل من بداية وجود الكون.

  • المبررات النظرية للكفاية السببية

اشتهر ديفيد هيوم بقوله متبرمًا، ليس لدينا خبرة "موحدة ومتكررة uniform and repeated" عن حالة خلق الله للأكوان.19 فمن المسلَّم به، أننا لا نستطيع التحقق من الكفاية السببية لفرضية الله بالطريقة نفسها تمامًا التي نتحقق بها من فرضية عامة عن التصميم الذكي أو كما نتحقق من العديد من الفرضيات التاريخية والعلمية الأخرى. لكن مصممي طريقة الاستدلال لأفضل التفسيرات inference to the best explanation والاستدلال التاريخي العلمي historical-scientific reasoning، والذي يسمى أيضًا التحليل السببي بواسطة إعادة البناء reconstructive causal analysis، كلها تسمح بالتحقق من الكفاية السببية، عند غياب القدرة على ملاحظة علاقات السبب والنتيجة مباشرة، فقد يكون لدينا "أسباب نظرية theoretical reasons" 20 لأن نعتبر أن سببًا ما مفترضًا يحقق الكفاية السببية. على سبيل المثال، قد يفترض عالم فيزياء الجسيمات وجودَ جسيمٍ غير مرصود يتمتع بسمات معينة (على سبيل المثال، الدوران والكتلة والعزم و/أو الشحنة) ثم يستنتج من تلك السمات قوى سببية معينة، وبالتالي يقدم تبريرًا نظريًا للكفاية السببية بأن لهذا الكيان (الجسيم) بعض الظواهر المتوقعة القابلة للملاحظة. ربما يستنبط الفيزيائي بعدها الوجود الفعلي للجسيم عند ملاحظة تلك الظواهر، وربما غيرها من الظواهر المتوقعة. تذكر أن طريقة، الاستدلال إلى أفضل التفسيرات، لا تتطلب منا أن نعرف مسبقًا أن الكيان المفترض موجود بالفعل. بل بدلًا من ذلك، باستخدام هذه الطريقة، يستدل infer العلماء والفلاسفة على السبب، من ضمن مجموعة من الأسباب المحتملة، التي إذا كانت صحيحة، أو موجودة، أو حقيقية، ستقدم أفضل تفسير للأدلة المعنية. وهكذا بنفس الطريقة تقريبًا، يفترض الفلاسفة أو العلماء وجود الله، لأنهم يدركون أن الله له صفات معينة (على سبيل المثال، التعالي والذكاء والإبداع والوجود الكلي والإرادة الحرة) والقوى السببية ذات الصلة بهذه الصفات تتيح أن يخلق الله أنواعًا معينة من التأثيرات المتوقعة بناء على تلك القوى. بعبارة أخرى، فإن مفهوم الله كما طرحه الفلاسفة واللاهوتيون، أو كما أوحي في النصوص المقدسة، يقتضي وجود صفات وخصائص معينة والقوى السببية ذات الصلة. من خلال تفصيل تلك الصفات والخصائص والقوى، يمكن للفلاسفة تقديم الأساس المنطقي النظري لتأكيد الكفاية السببية لفرضية الله - كما فعلت في الفصول من 12 إلى 14 - فيما يتعلق بظواهر أو أنواع من أحداث محددة قابلة للملاحظة. وهذا قد سمح لنا بدوره بصياغة فرضية عن وجود الله ذات محتوى تجريبي، وتوقعات مقابلة حول ما يجب أن نراه في العالم، إذا كان مثل هذا الإله موجودًا وله تصرف فيه. ونظرًا لأن العلماء امتلكوا أدلة تؤكد تلك التوقعات مثلًا؛ اكتشاف الضبط الدقيق للكون، والبداية الزمنية للكون، ووجود الشيفرة الرقمية مع أنظمة معالجة المعلومات في الخلايا الحية، فإن الأدلة التي حصلنا عليها من العالم أكدت صحة فرضية الإله الواحد theistic hypothesis وتدعم إيجابيًا ما تطرحه من تفسير الكفاية السببية. بالإضافة إلى ذلك، لنتذكر بأن العلماء التاريخيين غالبًا ما يبررون الكفاية السببية لكيان مفترض عبر استقراء التأثيرات الناتجة عن كيان مشابه وثيق الصلة. فقد رأى داروين مثلًا أن الانتقاء الاصطناعي يمكنه أن ينتج تغيرات متواضعة في الكائنات الحية خلال فترة قصيرة من الزمن، واستقرأ من تلك التأثيرات مقولة أن الانتقاء الطبيعي والتباين العشوائي الذين يعملان على مدى فترة طويلة من الزمن قد ينتجان تحولات أساسية في مورفولوجية "شكل" الكائنات. وهكذا سعى إلى إثبات تأهل الانتقاء الطبيعي كتفسير كافٍ سببيًا للابتكار المورفولوجي في تاريخ الحياة. يمكن بطريقة مماثلة لمؤيدي فرضية تصميم إلهي theistic design hypothesis، أن يستقرئوا من القوة الإبداعية للفاعلين البشر. ونظرًا لأن الفاعلين البشر، الذين لا تقيدهم مجموعة من الشروط المادية الضرورية والكافية، يمكنهم إنشاء هياكل جديدة عن طريق ترتيب المادة والطاقة الموجودين مسبقًا في نقاط زمنية محددة، فيمكننا أن نفترض منطقيًا وجود ذكاء إلهي كلي القدرة باعتباره سببًا لتغير الحالة المفاجئ الذي أدى إلى خلق المادة والطاقة في بداية الزمن في المقام الأول. 21 وبالمثل، قد يستنبط المؤمنون بشكل معقول من القدرات المعروفة للفاعلين البشريين الأذكياء في إنتاج أعمال وأنظمة أرضية مضبوطة بدقة أو غنية بالمعلومات فيفترضون وجود "العقل الفائق" أو "الذكاء الفائق" باعتباره سببًا مناسبًا لوجود الضبط الدقيق للكون أو المعلومات اللازمة لإنتاج الحياة الأولى. والواقع أن مفهوم الله تتأصل فيه هذه الصفات بالضبط - التعالي، والقدرة الكلية، وقدرة الخلق، والإرادة الحرة، والعلم "الذكاء" - التي تؤكد كفايته سببًا لنشأة الكون، وضبطه الدقيق، وسببًا لإيجاد المعلومات الضرورية للحياة. وهكذا، فإن الإله التوحيدى theistic God، إذا كان موجودًا، يقدم تفسيرًا أكثر ملاءمة سببيًا لنشأة الحياة والكون أكثر من أي كيان آخر تثبته الرؤى الكونية المتنافسة (مثل المادية أو وحدة الوجود pantheism) والتي تنكر الحقيقة المتعالية "المتجاوزة" والفاعل الحكيم المباين للكون المادي. على النقيض من ذلك، فإن الحجج التي ترتكب مغالطة إله الفجوات تمثل نوعًا معينًا من الاحتكام إلى الجهل – يدفع الدليل المناقض للسبب المادي المقترح على الفور إلى تأكيد فرضية الله، دون أي تقديم لأسباب إيجابية تؤكد الملاءمة السببية لتلك الفرضية. ونظرًا لأن الحجة التي نقدمها هنا تعرض أسبابًا إيجابية لتأكيد الملاءمة السببية لمفهوم الله ككيان تفسيري، بجانب نقد البدائل المادية، فهي ليست حجة إله الفجوات حتى لو قدمت تفسيرًا بديلاً يملأ الفجوات أو يملأ الانقطاعات السببية في التفسيرات المادية عن نشأة الكون، وضبطه الدقيق، ونشأة الحياة. بل تقدم الحجة بدلاً من ذلك استنتاجًا لأفضل التفسيرات (الميتافيزيقية) لتلك الفئات الرئيسية من الأدلة.

  • تحريم مع تبرير دائري

إن نشأة الكون المادي، مثل نشأة الضبط الدقيق، ونشأة الأشكال الجديدة للحياة، مؤشر على نوع من الفعل السببي السابق. لكن أي نوع منه؟ ما نوع السبب الذي يفسر الأحداث المعنية بشكل أفضل؟ إن إصرار الماديين العلميين وأنصار التطور الإلهي على رفض كل التفسيرات التي تفترض فاعلًا متعاليًا أو فاعلًا ذكيًا معتبرين أنها حجج مغالطة تقوم على حجة إله الفجوات، سيؤدي ذلك عمليًا لتفسير العلماء والفلاسفة جميعَ الأحداث في تاريخ الكون ماديًا. المهتمون بمغالطة إله الفجوات لديهم بالطبع أسبابهم لتقييد التفسيرات المقبولة بهذا الشكل، فيفترضون أن بعض العمليات المادية أو بعض قوانين الطبيعة ستوفر في النهاية تفسيرًا مناسبًا لكل حدث في تاريخ الكون. لكن هل لدينا سبب وجيه للاعتقاد بأن هذا سيحدث ضرورة؟ لقد رأينا بالفعل أن أصل الكون والضبط الدقيق لقوانين الفيزياء والظروف الأولية للكون هي أنواع من الأحداث التي لا يحتمل أن تفسرها قوانين الطبيعة أو العمليات المادية، أو لا تستطيع من حيث المبدأ تفسيرها. وبالمثل كما ذُكر في الفصلين 9 و 14، لا يمكن من حيث المبدأ تفسير أصل المعلومات المعقدة المحددة الموجودة في الحمض النووي بواسطة قوى الجذب الكيميائي أو القوانين الأساسية للفيزياء والكيمياء. قد تنبهنا هذه الاعتبارات وحدها إلى مشكلة في فكرة أن جميع الأحداث يمكن تفسيرها بالقوانين الطبيعية أو العمليات المادية. كما أنه توجد مشكلة منطقية أعمق تظهر من اعتماد حظر شامل على استعمال الفاعلية الذكية كتفسير في التاريخ الطبيعي. سواء كان الدافع وراء الحظر هو مخاوف بشأن "الثغرات" أو الالتزام بالمذهب الطبيعي المنهجي "الطبيعانية المنهجية" (توافق يلزم العلماء بالنظر في التفسيرات المادية فقط)، فإن الحظر المفروض على استخدام تفسيرات تنطوي على ذكاء مبدع يعني عمليًا افتراض مسبق بخصوص المسألة محل الخلاف في نقاش النشأة. ولتتبين السبب انظر الرسم التوضيحي التالي 22 تخيل أن شخصًا ما دخل عن طريق الخطأ إلى معرض فني متوقعًا العثور على حلوى للبيع. أي أنه يعتقد أن المعرض هو في الواقع مخبز فاخر. عند ملاحظة عدم وجود المعجنات ولفائف الحلوى، قد يعتقد مثل هذا الشخص أنه قد واجه "فجوة" في الخدمات التي يقدمها المعرض. بل قد يعتقد أنه واجه فجوة في معرفة الموظفين بما يجب أن يكون موجودًا بالتأكيد في مكان ما في المعرض. وقد يتمسك الزائر بناءً على افتراضاته المسبقة بعناد بما تصوره من وجود فجوة، ويثير غضب موظفي المعرض لمطالبتهم "بإخراج الكرواسان فورا"، إلى أن يطردوه من المعرض. المغزى من هذه المقالة الأقصوصة؟ ما تصوره زائر المعرض من وجود فجوة في الخدمة أو في معرفة موقع الكرواسون نتجت من افتراضه الخاطئ حول طبيعة هذه المؤسسة، أو حول المعارض الفنية بشكل عام وما تقدمه عادة للزوار. بطريقة مماثلة فإن الفجوات المتصورة في معرفتنا عن العمليات المادية المسؤولة عن الأحداث الرئيسية في التاريخ الطبيعي، تستند على افتراضاتنا الأساسية حول هذا النوع من العمليات أو الكيانات التي يجب أن تعمل في الطبيعة. في نقاش النشأة البيولوجية، يفترض كلا من أصحاب التطور الإلهي وعلماء الأحياء التطوريين على حد سواء، أن جميع الأنظمة الحية قد أنتجتها ضرورة بعض العمليات المادية، وأن منشأها يلزم في نهاية المطاف أن يكون له تفسير مادي تمامًا. وهكذا فالافتراض الضمني في سؤال "ما هي العمليات الكيميائية التي أنتجت الحياة أولاً؟" يشير إلى وجود فجوة في معرفتنا العلمية عندما يتضح (كما حدث فعلًا؛ انظر الفصل 9) أنه لم تكتشف أي عملية كيميائية مادية يمكنها توليد المعلومات اللازمة لإنتاج الخلايا الحية الأولى. ومع ذلك، فنقص معرفتنا بوجود أي عملية كيميائية يعني وجود "فجوة" في معرفتنا للعملية الفعلية التي نشأت عنها الحياة، لكن ذلك فقط إن قامت عملية تطورية كيميائية مادية ما فعلًا بإنتاج الحياة الأولى. لكن إذا لم تتطور الحياة عبر عملية مادية حصرًا، ولكنها ضممت بذكاء مثلًا، سيكون عندئذ غياب معرفتنا بعملية مادية لا يمثل "فجوة" في معرفة عملية فعلية. إنها لا تمثل سوى وجود فجوة في التفسيرات المادية لنشأة الحياة. في هذه الحالة، فإن الفجوة المتصورة في معرفتنا تعكس مجرد افتراض زائف حول ما يجب أن يكون قد حدث أو حول وجود نوع معين من العمليات - عملية مادية تمامًا – بقوة مبدعة لإيجاد الحياة. ولكن ماذا لو لم تنتج هذه العملية المادية الصارمة الحياة الأولى ولا الكون وضبطه الدقيق؟ ومن ثم سيكون افتراضنا بشأن الاكتفاء المطلق بالتفسيرات المادية خاطئًا. وبالتالي ، فإن تحريم التفسيرات التي يدخل فيها الذكاء الإبداعي، بناءً على نفورنا من تفسير للأحداث قد يولد هذه "الفجوات" في التفسيرات المادية، قد تجعلنا نفقد السبب الحقيقي ونفقد أفضل تفسير للحدث (أو للانقطاعات) المعنية. فيدفعنا ذلك لنسأل: "فأين تلك الحلوى". إن اتباع نهج أكثر اتزانًا من الناحية الفكرية لتحدي تفسير الأحداث المهمة في تاريخ الحياة والكون يُلزم بالسماح للعلماء والفلاسفة بالنظر في التفسيرات المتنافسة المحتملة حتى لو افترض بعضها نشاط ذكاء مبدع. السؤال الحاسم ليس "ما هي الفرضية المادية أو الطبيعية التي تشرح بشكل أفضل أصل الحياة والكون؟" بل السؤال يكون بالأحرى، "ما الذي تسبب فعلًا في نشوء الحياة والكون وضبطها الدقيق؟" في ضوء ذلك ، يتلاشى اعتراض مغالطة إله الفجوات ويزوي. ويلزم لإثبات مدى كفاية نهجهم المادي الحصري للتفسير في العلم والفلسفة، أن يقوم المدافعون عن هذا النهج أولاً بإثبات أن "الفجوات" في الأسباب المادية للأحداث الرئيسية في تاريخ الحياة والكون القائمة في معرفتنا يمكن ملؤها بعملية مادية فعلية قادرة على إنتاج الأحداث المعنية. ولكن كما أوضحت في الفصول من 4 إلى 19 ، هذا بالضبط ما فشل الماديون العلميون في فعله - ويبدو فعلًا أنه من غير المحتمل أن يفعلوه. والواقع إذا اكتشف الماديون العلميون أن للعمليات المادية القوة الإبداعية المثبتة لتفسير نشأة الحياة والكون، فلن يحتاجوا إلى استخدام اعتراض مغالطة إله الفجوات لمواجهة حجج التصميم الذكي أو إثبات وجود الله بحجج علمية. كما أنه إن وجدت أسباب إيجابية لاعتبار الذكاء المبدع عاملاً سببيًا حاسمًا ، وكانت هذه الأسباب مع الأدلة المخالفة للتفسيرات المادية المتنافسة ، تشير إلى الذكاء الإبداعي و / أو المتعالي كتفسير مناسب سببيًا وأفضل تفسير لـ الأحداث المعنية ، فليكن ذلك. دع الأدلة والأساليب المعيارية للاستدلال العلمي والفلسفي القائمة على معايير حيادية ميتافيزيقية لتقييم الفرضيات تحدد نتيجة التحقيق ، ولا تلجأ إلى حظر استفهام معين تهربًا من إجابة السؤال المطروح منذ البداية. ولكن ذلك هو بالضبط طريقة استخدام الماديين العلميين وغيرهم لاعتراض مغالطة إله الفجوات. يؤكد نقاد التصميم الذكي أو الحجج الإيمانية أنه لا ينبغي للعلماء استدعاء الذكاء الإبداعي لشرح الأحداث التي تترك فجوات في حساباتنا المادية عن أصل الحياة والكون. ولماذا ذلك؟ لأننا نعلم (أو نفترض) أن القوانين الطبيعية أو العمليات المادية ستفسر في النهاية تلك الأحداث وتغلق تلك الفجوات. كيف نعرف أن العمليات المادية ستفسر في النهاية تلك الأحداث، مع الأخذ في الاعتبار أن مثل هذه العمليات لم تفسرها بعد ويبدو من غير المحتمل أن تفعل ذلك؟ لأن البديل الوحيد لشرح مثل هذه الأحداث ماديًا هو استحضار الذكاء الإبداعي وهذا من شأنه أن يؤدي - كما خمنت - إلى مغالطة إله الفجوات. ونقول بشكل مختصر لا يمكننا السماح باستعمال وجود لله كتفسير للأحداث التي تترك فجوات في حساباتنا المادية عن أصل الحياة والكون ، لأننا نعلم أن العلماء سيطورون في النهاية تفسيرات مادية مناسبة لتلك الأحداث. وكيف نعرف ذلك؟ لأن البدائل الوحيدة المطروحة للتفسيرات المادية سيكون من لوازمها ارتكاب مغالطة إله الفجوات، وهكذا ندور في حلقات مفرغة.

نيل دي جراس تايسون ، عالم الفيزياء الفلكية وناشر علمي شعبي مرموق.

أسطورة حضرية وذكرت مسبقًا أنه غالبًا ما يذكر النقاد الذين يحذرون من إله الثغرات إسحاق نيوتن كحكاية تحذيرية. من المفترض أن نيوتن استدعى أفعالًا معينة من الله (أو الملائكة) لإصلاح مدارات الكواكب من حين لآخر وللتعويض عن عدم قدرة نيوتن على وصف الحركة المنتظمة لتلك الكواكب بدقة. يستشهد النقاد بهذا الفصل المزعوم في تاريخ العلم على أنها نوع من منطق إله الفجوات الذي يثير قلقهم. وفعلًا فإن الطريقة الأخرى التي قد يرتكب العالم فيها خطأ فادحًا حقيقيًا تتمثل في استدعاء فعل إلهي فريد للإجابة عن سؤال حول ما تفعله الطبيعة عادةً. من الواضح أنه عندما يطرح العلماء أسئلة بصيغة "ما الذي تفعله الطبيعة عادةً" ، فإن أي إجابة تقدم بصيغة "الله فعل ذلك" تفشل ببساطة في معالجة السؤال المطروح. إن استدعاء فعل الله الفردي الخاص (مقابل مجرد التأكيد على أن الفعل الإلهي المستمر يكمن وراء جميع القوانين الطبيعية الأساسية، أو أن الله عمل لتأسيس تلك الانتظامات regularities في المقام الأول) يمكن أن يعمل كعنصر نائب للجهل (أو فجوة في معرفتنا) بخصوص الانتظامات الفعلية التي تظهرها الطبيعة. وهذا التصرف قد يعيق التقدم العلمي في تطوير وصف رياضي لتلك الانتظامات ، وبالتالي يعمل "معطلًا للعلم."

  • لكن هل استعان نيوتن بمغالطة إله الفجوات فعلًا؟

في محاضرة ألقيت عام 2010 كان موضوعها انتقاد التصميم الذكي ، استشهد نيل ديجراس تايسون بنيوتن كمثال رئيسي لعالم استخدم مثل هذا المنطق المعطل للعلم (الشكل 20.3). وحسب رواية تايسون ، أن نيوتن بعد أن "حل معادلاته الخاصة بالجاذبية" ، أدرك أن التفاعل بين كوكب المشتري وجاذبية الأرض سيجعل النظام الشمسي غير مستقر. وبجسب رواية تايسون لهذه القصة عرف نيوتن "أن الشمس والأرض لا تسحب فقط كل منهما الآخر [كما ورد]، [لكن] كوكب المشتري يجر الأرض نحوه في كل مرة يأتي خلفها [من مدار الأرض]." وهكذا كما قال تايسون أدت هذه "التجاذبات" المتنافسة في الجاذبية إلى استنتاج نيوتن بأن "هذا النظام الشمسي غير مستقر. وإذا استمر في هذا الأمر ، فسوف تتشوه المدارات بشكل يتعذر التعرف عليها ، وستزول الأرض من فلكها وتذهب في الفضاء ". ثم أكد تايسون أن نيوتن ذكر في كتاب المبادئ "لأول مرة في سجله الكامل لاكتشاف قوانين الميكانيكا وقوانين الجاذبية. . . أن الله يجب أن يتدخل ويصلح الأمور. " 23 لقد سمعت أو قرأت على مر السنين العديد من الروايات المماثلة لهذه القصة ، لكن بناءً على قراءتي لكتاب المبادئ الأساسية ، فهذه قصة مشبوهة. لذلك قررت أن أعود إلى المصادر الأولية. وقد تأكدت شكوكي.

  • أولًا، لقد اعتقد نيوتن حقًا أن الله قائم على حفظ السير المنتظم للطبيعة ضمن ما نسميه قوانين الطبيعة. وهكذا قال في التعليق العام في كتاب المبادئ: "الله يحيط بكل شيء وبه يتحرك." 24
  • ثانيًا، اعتقد نيوتن أيضًا أن الله يمكن أن يتصرف ، وقد تصرف بطرق أكثر استقلالًا وخصوصية في أوقات محددة في التاريخ الماضي للكون والحياة. وجادل بأن كلاً من الكائنات الحية والنظام الشمسي أثبت وجود أدلة على أعمال إبداعية خاصة تختلف عن الممارسة المستمرة للقدرة الإلهية التي يعتقد أنها تحافظ على سريان قوانين الطبيعة. وهكذا، في التعليق العام لكتاب المبادىء ، جادل نيوتن بأن هذه القوانين يمكنها الحفاظ على استقرار مدارات الكواكب في النظام الشمسي، ولكن ذلك فقط كنتيجة لتصميم "كائن ذكي وقوي" وضع منذ البداية "مواقع الفلك التي تسير فيه." 25 قدم نيوتن حجج تصميم مماثلة في كتاب لاحق، هو كتاب البصريات Opticks، استنادا إلى صفات النور والتكامل الوظيفي الرائع لأجزاء العين العديدة.26

وهكذا أكد نيوتن في كتابه ما تصوره علماء الدين منذ العصور الوسطى على أنهما قوتان متكاملتان لكنهما متميزتان لله:

  1. قدرة الله العادية، التي يحافظ بها على نظام الطبيعة، و
  2. قدرة الله المطلقة التي ينجز بها الأعمال الخاصة لخلق أو تصميم أو لإحداث الأحداث في تاريخ البشرية في أوقات منفصلة لأغراض خاصة - ليس شأنها معارضة قوانين الطبيعة ولكنها تكملها. 27
  • ثالثًا، على الرغم من تأكيد نيوتن لوجود هاتين القدرتين لله، فإنه لم يفترض وجود أفعال خاصة أو فريدة من الله بعض الأحيان بدلًا من الوصف القانوني لحركة الكواكب أو لمعالجة عدم انتظامات في قوانين الطبيعة أو لإصلاح نظام كواكب غير مستقر. اعتقد نيوتن أن الله كان قيومًا بشكل مستمر عن الانتظام الرياضي الواضح في الطبيعة ، وليس شأنه القيام بإصلاح المخالفات أو تصحيح عدم الاستقرار. سعى كتابه المبادئ الرياضية للفلسفة الطبيعية لاستخدام الرياضيات لوصف السير المنظم للطبيعة كوسيلة لإظهار علم الله، الدقة الهندسة الإلهية. في الواقع لو طرح نيوتن فعلًا إلهيًا عرضيًا لإصلاح قوانين الطبيعة فإن ذلك كان يعني ضمنيًا أن الله عمل عملًا مخالفًا لنفسه.
فقرة من الكتاب الثالث ، الافتراض الثاني عشر ، من كتاب المبادئ ، حيث يؤكد نيوتن على استقرار النظام الشمسي ويوضح أن الشمس "لا تنحسر أبدًا بعيدًا عن مركز الثقل المشترك لجميع الكواكب."

الكتاب الثالث من كتاب المبادئ يثبت 28 ( الشكل 20.4 ) أن نيوتن لم يفترض فعلًا إلهيًا عرضيًا لإصلاح نظام شمسي غير مستقر. يثبت نيوتن هناك أن الجاذبية المتبادلة بين الكواكب الخارجية زحل والمشتري ستؤدي إلى اضطرابات مدارية ملحوظة عندما تقترن مدارات هذه الكواكب. ومع ذلك ، فإنه يجادل في القسم نفسه أن "مركز الثقل المشترك للأرض والشمس وجميع الكواكب ، غير متحرك." 29 وعلى الرغم من أن "الشمس تتأثر وتتحرك بالحركة المستمرة" لكنها لا تبتعد بعيدًا عن المركز المشترك لجميع الكواكب." 30 وفي الواقع، خلافا لقصة كاذبة نسمعها كثيرًا، فقد أثبت نيوتن استقرار النظام الشمسي، على الرغم من وجود اضطرابات دورية صغيرة في مدارات الكواكب الكبيرة. كما أن النظام الشمسي سيبقى مستقرًا "لفترة طويلة من الزمن." 31 تحليل نيوتن يعني أن النظام الشمسي لا يتطلب تدخل أي فعل إلهي مفرد للتعويض عن الاضطرابات. وبعبارة أخرى ، فإن القصة المتكررة غالبًا عن خطأ نيوتن الفادح في مغالطة إله الفجوات قصة خاطئة تمامًا. 32 بالنظر إلى عدد المرات التي سمعت فيها قصة استدعاء نيوتن دوريًا للتدخل الإلهي لإصلاح النظام الشمسي ، فقد صدمت عندما قرأت وأعدت قراءة هذه الأقسام الأكثر صلة بالموضوع من كتاب المبادئ. 33 ومع ذلك ، يمكن للمهتمين قراءة هذه المقاطع بأنفسهم. 34 من الواضح أن مشجعي العلم مثل تايسون وحتى العديد من مؤرخي العلوم الذين ارتكبوا هذه الأسطورة لم يفعلوا ذلك. 35

  • فرضية الله: إنطلاقة علمية

هناك جانب إضافي لاعتراض إله الفجوات يستدعي التعليق عليه وهو أن مصدر القلق الرئيسي حول استدعاء الذكاء الإبداعي كتفسير علمي يتعلق بإمكانية تعطيل هذه التفسيرات للتقدم العلمي. لكن كما أشار مؤرخ العلوم ستيفن سنوبلن Stephen Snobelen، العالم المشهور في دراسة نيوتن في جامعة كينجز كوليدج، 36 لم تمنع طريقة نيوتن في فهم تفاعل الله مع الطبيعة عمله العلمي على الإطلاق. بل إن فهمه لله على أنه (1) منشيء وحافظ للنظام القابل للوصف رياضياً في الكون و (2) المصمم الذكي للأنظمة الحية والنظام الشمسي قد ألهم في الواقع مساعيه العلمية. لقد كان كتاب المبادئ عبارة عن أطروحة رياضية مستوحاة من علم اللاهوت سعى فيها نيوتن إلى إضفاء المجد لله باكتشاف "المبادئ الرياضية" التي تحكم الكون ، كما يشير عنوانها. 37 وبالمثل ، فإن اقتناع نيوتن بمدى قابلية الطبيعة للفهم قاده للتحقيق في كيفية عمل الأنظمة الطبيعية ، حتى يتمكن من تقدير تصميمها العبقري والشهادة عليه. بالنسبة لنيوتن ، فإن افتراض الفعل الإلهي كجزء من فلسفته الطبيعية لم يكن مطلقًا معطلًا للعلم. لم يضع نيوتن فقط نظرية الجاذبية الكونية كتعبير صريح عن لاهوته للطبيعة، لكنه اكتشف أيضًا قوانين الحركة الثلاثة، واخترع حساب التفاضل والتكامل،38 وقد شيد أول تلسكوب عاكس، وعمم نظرية ذات الحدين، واستدل على الشكل المفلطح للكرة الأرضية ، وأجرى الدراسة العلمية الأكثر تفصيلاً للضوء حتى تلك النقطة من تاريخ العلم. بالنسبة لنيوتن ، لم تقدم الطبيعة دعمًا واضحًا للإيمان بالله فحسب ، بل عملت فرضيته الخاصة بالله كانطلاقة علمية مثمرة للغاية. لا يوجد سبب للاعتقاد بأن تحديث هذه الفرضية سيهدد التقدم العلمي اليوم. بل على العكس من ذلك ، يوجد سبب وجيه لأن نتوقع أنه سيلهم اهتمامًا أعمق باكتشاف المزيد عن تعقيد الكون ونظامه وتصميمه كما فعلت فرضية وجود الله عند نيوتن نفسه تمامًا.