الفرق بين المراجعتين لصفحة: «طب الأمراض الوراثية»
ط (١ مراجعة: طب) |
(لا فرق)
|
المراجعة الحالية بتاريخ 22:21، 12 نوفمبر 2010
هذه المقالة يتيمة إذ لا تصل إليها مقالة أخرى. ساعد بإضافة وصلة إليها في مقالة متعلقة بها. (أغسطس 2009) |
تعتبر الخلايا الوحدات الأساسية المكونة لجسم الإنسان، وتتألف الخلية إجمالاً من نواة في قلبها ومن مادة هيولية تحتوي على مكونات عديدة تحيط بالنواة، ويحيط بالجميع غشاء خلوي بديع التركيب.
لنواة الخلية غشاء خاص، كما أنها تحتوي على مواد وبنى متنوعة من بينها مادة وراثية هي الأهم في الخلية، ومجموع تلك المادة الوراثية هو ما يدعى بالمجين أو الموروث (GENOME الذي يتوزع على (23) زوج من الصبغيات CHROMOSOMES، ويتكون كل صبغي من سلسلتين من مادة الدنا DNAأو الحمض النووي متقوص الأوكسجين، وإن المكونة الأساسية في بناء سلسلة الدنا هي مادة تدعى النوويد NUCLEOTIDE الذي له أنواع أربعة، ويرتبط كل نوويد مع نوويد مقابل له من السلسلة المقابلة ليشكلا وحدة أو زوجاً من قواعد النوويد.
يتألف الموروث البشري (المجين) من (3) مليارات من هذه الوحدات أو الأزواج القاعدية من الدنا، وكل الأهمية تكمن في تلك القواعد لأن تسلسلها على طول سلسلة المادة الوراثية هو الشيء الوحيد الذي يؤدي لاختلاف التركيب.
لقد كان يعتقد أن تلك المليارات الثلاثة تشفر أو ترمز مئة ألف من المورثات GENES، ولكن تبين أنها بالواقع أكثر من ثلاثين ألف بقليل ليس إلا، والمورثة هي منطقة من الدنا يمكنها أن تحدد بروتيناً معيناً أو أي مركب آخر يقوم بمهمة معينة في جســمنا.
تتضمن المادة الوراثية المعلومات الخاصة ببنية الخلايا ووظيفتها وتكاثرها، وذلك على شكل شيفرة وراثية، حيث أن المورثة الواحدة تشفر (10 _ 20) وظيفة مختلفة وذلك حسب النسيج الذي تتواجد فيه ضمن البدن والظروف التي تحيط بها، وليس كل المورثات في خلية ما ستعمل بل جزء منها فقط سيعمل، وذلك حسب الوظيفة المقدرة لتلك الخلية.
لقد كان حلماً راود مخيلة العلماء طويلاً أن يتعرفوا على التركيب الدقيق والكامل للمادة الوراثية عند الإنسان، حتى كان 1985 حيث عقدت العديد من المؤتمرات وتوالى ذلك حتى عام 1987، حيث تمخض ذلك عن نشوء فكرة مشروع المجين (الموروث) البشري، والذي انطلق جدياً في الولايات المتحدة عام 1990، ومن ثم صار لأمم كثيرة أخرى برامج بحث مماثلة كجزء من هذا البرنامج العالمي.
يمثل مشروع المجين (الموروث) البشري جهداً كبيراً لإنجاز خريطة وراثية حقيقية وذلك لفهم التعليمات الوراثية التي تجعل من كل فرد منا كينونة مميزة، والهدف من ذلك إجراء قراءة كاملة للمليارات الثلاثة من أزواج القواعد مع وضع خرائط فائقة الدقة والنوعية للمادة الوراثية البشرية، وإيجاد مواضع المورثات البشرية على الصبغيات ورسم خرائط لذلك، وهي مهمة شاقة بكل المعايير، وذلك في فترة أقصاها 2005، وربما لن تتجاوز 2003.
إن التعرف على المورثات يمكن أن يكون أصعب من إيجاد إبرة في كومة قش، والسبب هو الحجم الهائل للموروث البشري والذي يكمن في مكان ما من حروفه الخلل المسؤول، ومن أجل تذليل تلك الصعاب تعاون العلماء ومن فروع كثيرة مثل علم الأحياء (البيولوجيا) والفيزياء والهندسة وعلماء الحاسوب (الكمبيوتر) لتطوير تقنيات مناسبة، وقد أثبتو ا مقدرتهم على ذلك.
إن النتيجة المتوقعة ستكون مذهلة، وهي عبارة عن قاعدة معلومات واسعة وبمستويات عديدة من الدقة والوضوح والتفصيل، ولقد بدأت كنوز تلك النتائج وثمارها تهل علينا تباعاً، فلقد عينت المورثة المتورطة بإحداث الداء الكيسي الليفي CYSTIC FIBROSISو هو الداء الوراثي واسع الانتشار والذي يؤدي للكثير من الإختلاطات والوفيات، وأصبح هناك اختبار متاح لتحديد حملة المورثة المعيبة في العائلات ذات الخطورة العالية، كما اكتشف العلماء في مطلع عام (1994) مورثتين متورطتين في الشكل الوراثي من سرطان القولون، كما اكتمل في بداية عام (1996) وضع الخرائط لأكثر من (4000) مورثة، وتم ربط (1000) مرض وراثي بعيب معين في مورثة معينة، وارتفع عدد المورثات التي تم تحديدها في منتصف عام 1999 إلى (7700) مورثة، وقبل نهاية عام 1999أعلن الباحثون في الولايات المتحدة واليابان والسويد التسلسل الكامل للمادة الوراثية المكونة للصبغي (22) وهو ثاني أصغر صبغي في جسم الإنسان، ويحتوي على (33,5) مليون من أزواج القواعد، وله علاقة بعمل الجملة المناعية وأمراض القلب الولادية والفصام والتأخر العقلي والعيوب الولادية وبضعة سرطانات من بينها أبيضاض الدم وسرطان الثدي وغيرها، وما سنعلمه مستقبلاً أكثر.
و بهذا الإنجاز يكون قد انتهى الفصل الأول من الموسوعة الوراثية المرتقبة، حيث أنها المرة الأولى في التاريخ البشري التي يتسنى فيها للعلم عرض هذه الأسرار، وكان الأمر أشبه ما يكون بانقشاع الضباب عن بحر محيط زاخر بالبواخر المحملة بالمعلومات الثمينة.
و تهاوت حصون الصبغيات وأسرارها ففي هذا العام (2000) وضع العلماء الخرائط البدائية للصبغيات (5 و 16 و 19)، وفي شهر آيار من ذلك العام أنجز (62) عالماً في اليابان وألمانيا وفرنسا وسويسرا وبريطانيا الخريطة الدقيقة والكاملة للصبغي (21)، وتم الإعلان عن ذلك في وقت لاحق، وقد تبين أن هذا الصبغي يحتوي على أكثر من (33) مليون زوج من أزواج قواعد مادة الدنا، وتم الكشف عن عدد من المورثات المتعلقة باضطرابات بشرية نوعية، وكذلك لا ننسى علاقة هذا الصبغي الشهيرة بمتلازمة داون أو (الطفل المنغولي) المعروفة، والتي تتميز بتثلث الصبغي (21)، وبهذه الاكتشافات ستتاح معلومات قيمة لاستقصاء جذور تلك المتلازمة والوصول لحلول قد تكون مذهلة وحاسمة في تدبير حالة المنغولية ،كما أن إكمال الخرائط الخاصة بالصبغيين (21_ 22) قد مثل يومها (2-3 %) من إجمالي العمل، هذا بالإضافة لإنجازات مهمة على صعيد مرض الزهايمر ALZHEIMER (اعتلال الدماغ الإسفنجي العائلي عند الكهول) حيث أعلن العلماء في (7/6/2000)أنهم قد عينوا أنزيماً يعتقد أنه يلعب دوراً بتطور هذا المرض، وسيكون ذلك الأنزيم هدفاً جيداً لعلاجات نوعية ،و هناك إنجازات أخرى لا تقل أهمية بخصوص بعض أشكال السرطانات، ومن الإنجازات التي تستحق الذكر نذكر أنه قد تم تحديد مورثة يبدو أنها تلعب دوراً في منع سرطان الثدي من الانتشار إلى أجزاء أخرى من البدن ،بالإضافة لآمال علاجية جديدة لمعالجة مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز).
إن المشروع المذكور يعدنا وحتى قبل نهايته بأن يحول مفاهيمنا الحيوية (البيولوجية) والطبية، حيث أن المورثات لا تؤثر فقط في كيف سنظهر نحن، وإنما تعني ماهي الأمراض وبالتالي الإعاقات التي قد تحصل لنا في المستقبل. لقد بدأت تلوح بالأفق ملامح طب جزيئي لا يعالج الأعراض بقدر ما يستهدف جذور المرض السببية، وإن الاختيارات التشخيصية النوعية ستسمح بمعالجة مبكرة لعدد لا محدود من الحالات، وسيساهم الطب القادم بشكل حاسم في تحسين تشخيص المرض الوراثي وذلك من ناحية الدقة والثقة والوقت، وكذلك في الكشف المبكر عن التأهب أو الاستعداد لحدوث مرض ما عند شخص ما، وإمكانية كشف المرض مورثياً قبل ظهور أعراضه أو الإعاقات الناجمة عنه بزمن طويل، وهكذا تتخذ الإحتياطات التي قد تمنع ظهور المرض، وكذلك سيمكن توفير أدوية جديدة تماما فائقة الدقة في أهدافها، وستكون هناك قفزات هائلة في مضمار المعالجة المورثية وذلك بتصحيح أو تقوية أو استبدال المورثات المعيبة ،بالإضافة لتقنيات المعالجة المناعية الحديثة، ولإمكانيات تجنب الحالات البيئية التي يمكن أن تثير المرض.
إنه لايخفى علينا مدى علاقة الإعاقات بالأمراض وتحديداً الأمراض الوراثية والصبغية، وكل تقدم يحرزه الإنسان في مجال مكافحة تلك الأمراض سينعكس إيجابياً بالتأكيد على قضية الإعاقة سواء من ناحية الوقاية أو العلاج. و لكن يجب أن لا ننسى أن للإعاقة أسباباً أخرى عديدة، ومع ذلك فقد تدخلت الأبحاث الوراثية في ذلك، فعلى سبيل المثال هناك الأبحاث المجراة على الجراثيم والتي ستساهم كثيراً في خدمة قضية الإعاقة من خلال المراقبة البيئية لكشف الملوثات، وكذلك من خلال الحماية من الحرب الكيميائية والحيوية وكذلك الإزالة الفعالة والأمينة للفضلات، وكذلك تدخلت علوم الوراثة في مجال تقييم الأذية الصحية والأخطار الناجمة عن التعرض للإشعاع ولو بدرجات تعرض قليلة وكذلك في حالات التعرض للكيماويات والسموم المحدثة للطفرات الوراثية والسرطانات، مع أبحاث لإنقاص احتمال حدوث الطفرات المورثة.
كما أن هناك اختلاف في التأهب لحدوث إصابة ما عند البشر بالتعرض لبعض العوامل وبكشف ذلك يمكن إبعاد الأشخاص ذوي الخطورة عن العمل في مجال ما.
إن لمشروع الموروث البشري أوجهاً أخرى اجتماعية وأخلاقية وقانونية، فمثلا تم توفير اختبار لكشف الذين سيحدث عندهم مرض هنتنغتون HUNTINGTON DISEASE أو العته ما قبل الشيخوخة ضمن العائلات ذات الخطورة العالية ومنذ سنوات، ولكن لم يقرر إجراء هذا الاختيار إلا عدد قليل من الذين يعنيهم الأمر، وذلك بسبب عدم وجود طريقة للشفاء أو الوقاية من المرض، والعديد من الناس يفضل أن يعيش بدون "وجع رأس" لأن إيجابية الاختيار ستعني ببساطة أنه سيبقى في هاجس أنه سيصاب بمرض قاتل لاحقاً، وكذلك ما الذي يمكن أن يحدث فيما إذا علمت شركات التأمين الصحي أو أرباب العمل بذلك في عالم تغلبت فيه المعايير المادية _ وللأسف _؟.
هناك أيضا خوف من استخدام المعلومات الوراثية من قبل المحاكم والمدارس والجيوش وغير ذلك، وكذلك هناك قلق حول من سيملك تلك المعلومات ومن سيضبطها، وكذلك حول التأثيرات النفسية والاجتماعية، وهناك تساؤل جدي فيما إذا كان يجب إجراء الاختبارات الحديثة عندما لا تتوفر معالجات ؟ وهل للوالدين الحق بإجراء اختبارات تشخيصية لأطفالهم الصغار لأمراض لا تظهر إلا في مرحلة متقدمة من العمر ؟، وهناك اهتمام بحدود وأخطار استخدام التقنيات الوراثية في مسائل الإنجاب والحمل، وكذلك مدى النفع الممكن من تلك الاختبارات عند الأجنة.
إن المعالجة المورثية ستصبح واقعاً، وآنذاك ينبغي تحديد ما هو طبيعي وما هو الشذوذ أو الإضطراب الذي يجب علاجه ؟و يجب تحديد من يقرر ذلك ؟ وهل سيؤثر البحث عن الشفاء في بعض حالات العجز على الشخص بشكل أخطر مما يعاني منه الشخص بالأصل؟.
لكل تلك الأسباب الوجيهة والبالغة الأهمية فإن المشروع ومنذ بداياته قد خصص ما يقارب من (5%) من ميزانيته الإجمالية للبحث المركز في مجال استباق وحل المشاكل الأخلاقية والقانونية والإجتماعية المحتملة الظهور، وهذه واحدة من الأعمال المشكورة التي امتاز بها المشروع وعمل بها كي يتسنى الحصول على العسل بدون لدغات _ ما أمكن ذلك _، والخلاصة حلم جميل وواقع أجمل هذا ما نتأمله من ثورة العصر الوراثية وخصوصاً على مستوى قضية الإعاقة.